ظهرت أبعاد الفراغ السياسي الأميركي فيما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة بشأن سوريا في آخر جولات محادثات السلام التي تهدف إلى التفاوض بشأن حلٍ سياسيٍ للحرب السورية.
مضت 5 أيام على جولة المحادثات المُزمع إقامتها بين الوفود التي تُمثل الحكومة السورية والمعارضة، ولم يلتقِ المفاوضون من طرف الحكومة والمعارضة بعد. وبدلاً من ذلك، تعطَّلت المُحادثات، المُفترض أن تنتهي يوم الجمعة، وسط مناظرات حول الإجراءات والآلية، دون التصدي للقضايا الكُبرى المُتعلِّقة بالاحتمالية البعيدة للتوصل إلى حلٍ سياسيٍ للحرب القائمة منذ قرابة الست سنوات، بحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.
وتهدُف هذه المحادثات، المعروفة باسم جولة جنيف الرابعة، إلى التوصُّل لتسويةٍ سياسيةٍ على أساس البيان الذي قامت بصياغته الولايات المتحدة وروسيا عام 2012. وتجري هذه المحادثات على خلفية التوازن الإقليمي الجديد للقوى، الذي تضطلع فيه روسيا بدورٍ قياديٍ بسوريا.
أميركا تتأخر
للمرة الأولى، لم تأخذ الولايات المتحدة زمام المبادرة في الضغط من أجل التوصل إلى تسويةٍ بالتفاوُض. وكانت الهزيمة النكراء التي مُنِيَت بها المعارضة في معقلها شرق حلب في ديسمبر/كانون الأول بمثابة هزيمة لسياسة الولايات المتحدة والمعارضة السورية على حدٍ سواء، وتركت فراغاً لدى صُنَّاع القرار الأميركيين بشأن سوريا في انتظار أن تملأه حكومة ترامب الجديدة.
ورغم سعي روسيا لتثبيت أقدامها كقوةٍ وسيطةٍ بين الحكومة والمعارضة منذ ذلك الحين، تتزايد التساؤلات عن حجم الضغوط التي ستقوم بفرضها على الرئيس بشار الأسد ليُقدِّم التنازلات، وفقاً لعددٍ من الدبلوماسيين.
وجاء استخدام روسيا لحق الفيتو ضد القرار الذي أصدره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بدعمٍ من الولايات المتحدة، يوم الثلاثاء 28 فبراير/شباط، والذي كان من المفترض أن يفرض عقوباتٍ على حكومة الأسد لاستخدامها المُستمر للأسلحة الكيماوية، ليُظهر الفجوة الكبيرة بين وجهات نظر روسيا والمعارضة السورية بشأن الحرب.
وصرَّح دبلوماسيٌ غربيٌ مُشاركٌ في المحادثات، بعد أن رفض الإفصاح عن هويته؛ نظراً لحساسية المسألة: "جميعنا نُريد أن تُشارك الولايات المتحدة في هذا الشأن وأن تدفع عجلة المُحادثات بالتعاون مع روسيا. فالمحادثات تميل في اتجاهٍ واحد، وليس هنالك ثِقَلٌ موازٍ. هناك فراغٌ هنا، ولست متأكداً من أن لدى الروس الحافز الكافي للتحرُّك من أجل ملء هذا الفراغ".
وحضر الدبلوماسيون الأميركيون الاجتماعات إلى جوار ممثلي حلفائهم الأوروبيين والإقليميين. لكن المُشاركين والدبلوماسيين يرون أن الحكومة السورية والمعارضة لن يقوموا بتقديم تنازلاتٍ كبيرة، حتى تقوم حكومة ترامب بتحديد ووضع سياستها في سوريا.
ودفعت تصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المتناقضة بشأن الشرق الأوسط كلا الطرفين لاعتقاد أن الحكومة الجديدة قد تُغيِّر سياستها في صالحهم.
وتسببت لهجته التي تُشَدِّدُ على أهمية قتال تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في رفع آمال دمشق بأن تقوم الولايات المتحدة بإسقاط دعمها للمعارضة السورية والانضمام إلى تحالفٍ مع الأسد ضد الإرهاب.
محاربة الإرهاب
وكما كان الحال في السنوات الماضية، أكَّد مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، أن المفاوضات يجب أن تتمحور حول محاربة الإرهاب، وليس حول عملية الانتقال السياسي للسلطة من حُكم الأسد كما تُطالب الولايات المتحدة منذ سنوات، أو حول الإصلاحات السياسية الأكثر اعتدالاً التي تدعو لها روسيا.
وتُعتَبَر المعارضة مُتفائلةً أيضاً بتَعَهُّدِ ترامب بدحر النفوذ الإيراني في المنطقة، وهو ما سيعني مزيداً من الدعم للمعارضة أكثر مما كان الحال عليه في ظل إدارة أوباما. ويَدين الأسد بحياته للدعم الإيراني الضخم، بينما يرى المعارضون أن دعم الولايات المتحدة للأسد سيعني تعزيز سوريا وإيران في الوقت نفسه.
وسعى وفد المعارضة للظهور بأفضل صورة؛ نظراً لعلمه بأن لديه الكثير ليكسبه أو يخسره وفقاً لقرار حكومة ترامب. وأعلن الوفد قُبيل بدء المحادثات أنه لن يترك الطاولة ويغادر -مثلما فعل المرة الماضية- ووافق على مناقشة جميع بنود جدول الأعمال التي وضعها مبعوث الأمم المتحدة الخاص بالأزمة السورية، ستافان دي ميستورا، الذي يُدير المُحادثات.
وقال رئيس وفد المعارضة، ناصر الحريري: "هدفنا الآن مواصلة العملية السياسية حتى يرى ترامب جدّيتنا بشأن علاقتنا، وبشأن الحل السياسي، وبشأن الحد من الدور الإيراني. لكن في حال استمرار الفراغ في السياسة الأميركية، أعتقد أن السيد ميستورا سيواجه الكثير من العقبات في طريق الوصول إلى حلٍ سياسي".
وطلب ترامب مراجعةً واسعةً لاستراتيجية الولايات المتحدة ضد داعش، ومن المتوقع أن تحتوي على مُراجعةٍ لسياسة الولايات المتحدة في سوريا أيضاً. ورغم تركيز المُراجعة على سُبل الإسراع في الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، يقول المسؤولون الأميركيون إن هناك إدراكاً لحقيقة أن الحرب ضد المُتشددين لا يُمكن الفوز بها دون التصدي لقضية الصراع السوري الكبير.
تجهيز العمليات العسكرية
وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، جوزيف دانفورد، خلال منتدى أُقيم داخل مؤسسة بروكينغز الأسبوع الماضي: "يجب أن تكون لدينا رؤيةٌ عن كيفية قيام عملياتنا العسكرية بتوفير ظروفٍ مواتيةٍ على الأرض، لتُصبح فيما بعد حجر زاويةٍ يستفيد منه وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، في أثناء زيارته لجنيف من أجل التوصل إلى حلٍ سياسي".
ويرى المحللون أن السؤال لا يزال مطروحاً حول إمكانية التوصل إلى تسويةٍ سياسيةٍ في ظل الظروف الراهنة على أرض المعركة، حيث نجح التدخل الروسي وانتصار الحكومة بحلب في قلب موازين المعركة لصالح الأسد، الذي لم يعد في خطر الإطاحة به عسكرياً من قِبَل المُعارضة الآن.
ويقول قائد منظمةٍ مُعارضةٍ مُنفصلة تُدعى "مجموعة القاهرة"، جهاد مقدسي: "منطقياً، ما الذي سيدفع النظام السوري للتخلِّي عن شيءٍ بجنيف، بعد فشل المعارضة في الحصول عليه عسكرياً على أرض الواقع؟ مُصطلح (التنازلات) لا يدور الآن في خلد النظام. فلماذا يقوم النظام بتقديم التنازلات، طالما فشل في الحصول على إعترافٍ دوليٍ من جديد؟!".
وبناءً على المُعطيات والعقبات، لم يُعلِّق مبعوث الأمم المتحدة، دي ميستورا، الكثير من الآمال في أثناء افتتاحه المحادثات الأسبوع الماضي؛ إذ أخبر الصحفيين بأنه لا يتوقع حدوث انفراجةٍ في الأزمة.
وقال الزميل في مؤسسة Century Foundation الاستشارية الأميركية، آرون لوند: "يبدو أن محادثات جنيف هي شيءٌ يرغب فيه الجميع؛ لأنهم يريدون إجراء محادثات. لكن لا أحد يعلم حقيقةً ما يريدون قوله".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.