استقلال كردستان.. والصراعات الإقليمية

ن أحلام الاستقلال لا يمكن أن تتحقق الآن ولا في المستقبل المنظور، وعلى الرئيس بارزاني إيجاد وسيلة أخرى للخروج من المأزق السياسي والاقتصادي الذي وقع فيه، وألا يحاول دغدغة عواطف الشعب الكردي بموضوع الاستقلال؛ لأنه يعلم جيداً عظم الانشقاق الحاصل فيه والذي يتعذر معه تحقيق هذا الحلم.

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/26 الساعة 04:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/26 الساعة 04:00 بتوقيت غرينتش

يلوح السيد مسعود بارزاني بين حين وآخر برغبته في إعلان استقلال كردستان العراق، وتأتي هذه التصريحات وسط صراعات دولية وإقليمية غاية في التعقيد. ونحن إذ نؤمن بحق تقرير المصير للشعوب، إلا أننا نرى أن طرح موضوع الاستقلال في هذا الوقت ما هو إلا هروب من المشاكل التي يعانيها الإقليم نتيجة الصراع التركي-الإيراني في العراق وسوريا، والذي انعكس سلباً على إقليم كردستان. وكذلك التدخل المتواصل للولايات المتحدة تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.
وسنستعرض فيما أدناه بعضاً منها:

التدخل التركي

وجدت تركيا نفسها معزولة عن محيطها الإقليمي بعد التمدد الإيراني في العراق وسوريا، فأخذت تبحث عن موطئ قدم لها لضمان مصالحها في المنطقة، وخصوصاً بعد تعذر دخولها للاتحاد الأوروبي. فاتجهت نحو الجنوب، فبدأت بالتركيز على التبادل التجاري مع العراق لتحقيق الرخاء الاقتصادي لها. ثم ما لبثت أن وجدت الحشود الإقليمية والعالمية المحيطة بها، فاتجهت إلى العمل السياسي، ثم التدخل العسكري بعد ذلك.

وقد حرصت تركيا، منذ أمد ليس بالقصير، على استمالة مركز إقليم كردستان إليها مقابل استحواذ إيران على الحكومة المركزية في بغداد. ثم حاولت درء الخطر الكردي الذي يمثله حزب العمال الكردستاني الذي أخذ نشاطه يتزايد، خصوصاً بعد تحرير مدينة كوباني السورية، ودخوله الأراضي العراقية واستقراره في قضاء سنجار، وقد استحال إخراجه منها نتيجة التأييد الكبير الذي يحظى به من قِبل حكومة طهران.

وقد أدى ذلك إلى أن تقوم تركيا بإدخال المزيد من قواتها إلى شمال العراق وإقليم كردستان؛ للحد من نشاط هذا الحزب، ولضمان الحصول على موطئ قدم لها في العراق، وساعدها في ذلك حكومة كردستان بأربيل، إضافة إلى زيادة حجم التبادل التجاري مع الحكومة التركية، حتى أصبح الإقليم مديناً لها بمبالغ طائلة.

التدخل الإيراني

ومقابل التدخل التركي في شمال العراق، يبرز النفوذ الإيراني المتزايد في محافظة السليمانية، معقل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بالإضافة إلى النفوذ الكبير الذي تتمتع به إيران في العراق، نتيجة هيمنتها على السلطة المركزية وإمساكها بخيوط العملية السياسية في العراق.

وقد أدركت إيران خطورة التدخل التركي في إقليم كردستان في وقت مبكر، فاستمالت حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بالسليمانية الذي يضمن لها هدفين؛ الأول: إيجاد موطئ قدم لها في إقليم كردستان موازٍ للتدخل التركي. والثاني: تحقيق الانقسام الكردي في إقليم كردستان لإفشال تجربة الحكم الذاتي للكرد، لما يمثله هذا الإقليم من خطورة لها.

كما أن إيران حريصة على الاستحواذ على كل العراق، وجعله دولة ضعيفة غير قادرة على تهديدها مستقبلاً. وقيامها باستغلال البسطاء من الناس لتنفيذ أهدافها التوسعية في المنطقة.
وانعكاساً لهذه التدخلات، نرى أن العلاقة قد توثقت بين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والحكومة المركزية في بغداد. يقابلها نفور الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل من هذه الحكومة، وقد أدى ذلك إلى تزايد شُقة الخلاف بين الحزبين الكرديين، ثم انشقت حركة التغيير عن الاتحاد الوطني، فزادت من التشرذم الكردي في كردستان العراق.

موقف الولايات المتحدة

وإزاء هذه التدخلات الإقليمية في العراق وفي منطقة كردستان بالذات، وجدت الولايات المتحدة الأميركية من الكرد حليفاً يمكن الوثوق به أكثر من حكومة بغداد الموالية لطهران. ولكن أميركا ترغب هي الأخرى في الاستحواذ على كل العراق؛ لكونه يمثل موقعاً استراتيجياً لها، إضافة إلى الاحتياطي النفطي الهائل فيه.

كما أنها قد أنفقت مليارات الدولارات على هذا البلد الذي لا يمكن التفريط فيه بأي حال من الأحوال، عكس ما يجري في سوريا، حيث تسعى إلى تقسيمها حسب الطوائف لإضعافها تجاه التوسع الإسرائيلي، ولضمان أمن إسرائيل أيضاً.

إن الولايات المتحدة لم تُبدِ معارضة صريحة أو علنية لاستقلال كردستان العراق، ولكنها اشترطت أن يتم ذلك بالاتفاق مع الحكومة المركزية في بغداد قبل إجراء أي عمل قد يؤدي إلى استقلال كردستان. وأميركا تعرف جيداً أن حكومة بغداد لا توافق على مثل هذا الاستقلال، وبذلك تكون قد وضعت العقدة في المنشار.

أما مسألة كركوك، فتبدو هي الأخرى لغماً قابلاً للانفجار في أي لحظة؛ بالنظر إلى كونها تضم القوميات الثلاث المهمة في العراق: العربية، والكردية والتركمانية. وقد أدى تدخل "الحشد الشعبي" فيها بداعي محاربة داعش إلى تعقيد الموقف أكثر، وربما سيتم السيطرة على محافظة كركوك من قِبل الحكومة المركزية؛ لما تمثله هذه المحافظة من خطوط حمراء لدى الأحزاب المتنفذة في بغداد. ونأمل ألا تشهد نزاعاً مؤلماً قبل أن يتم استقرارها نهائياً.

يضاف إلى مسألة كركوك، وجود مناطق كثيرة متنازع عليها ستشهد توتراً ملحوظاً بعد تحرير الموصل من تنظيم الدولة (داعش)، حيث لم يتم حسم المادة 140 من الدستور لحد الآن. وهذه كلها تشكل خلافات حادة إضافية بين رئاسة الإقليم في أربيل وحكومة بغداد.

وإزاء كل هذه التعقيدات، فإن الشُّقة بين الحزبين الرئيسين في كردستان العراق قد ازدادت حتى أصبح الإقليم يضم إدارتين شبه منفصلتين؛ واحدة في السليمانية والأخرى في أربيل. كما ازدادت حدة الاتهامات المتبادلة بين الطرفين واتهام رئيس الإقليم مسعود بارزاني بالتفرد بالسلطة هو وأفراد عائلته وعشيرته، فتعطل البرلمان وتوقفت الانتخابات.

إن العداء المستحكم بين الحزبين الكرديين نابع من الصراع على السلطة والثروة، وتغذيه القوتان الإقليميتان النافذتان فيه: تركيا وإيران. ولذلك نرى أن السيد مسعود بارزاني يواجه يومياً ضغوطاً مستمرة للتخلي عن رئاسة الإقليم، ما يدفعه إلى تقديم اقتراحات دائمة لإجراء الاستفتاء على استقلال الإقليم؛ لكي يضمن له ولحزبه المكانة الطليعية في الدولة المقترحة.

ولكن كل هذه الطموحات تصطدم بالواقع المرير الذي يعيشه إقليم كردستان، كما أوضحناه آنفاً. يضاف إليها المشاكل الكثيرة التي تواجه إدارتي الإقليم؛ نتيجة غياب التخطيط والمنهج السليم للعمل، وكذلك الفساد الذي يزداد يوماً بعد يوم رغم تناقص موارد الإقليم.

وهكذا، فإن أحلام الاستقلال لا يمكن أن تتحقق الآن ولا في المستقبل المنظور، وعلى الرئيس بارزاني إيجاد وسيلة أخرى للخروج من المأزق السياسي والاقتصادي الذي وقع فيه، وألا يحاول دغدغة عواطف الشعب الكردي بموضوع الاستقلال؛ لأنه يعلم جيداً عظم الانشقاق الحاصل فيه والذي يتعذر معه تحقيق هذا الحلم.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد