نحن الأبرياء وهم مَن ثقب الأوزون.. مَن وضع العصا في عجلة الثورة الليبية؟

هذه الشماعة أضحت لسان حال كل متكلم ليبي يعلق عليها أسباب تعثّر الثورة، بل وتعداها إلى شماعات أخرى تمثلت في أحزاب سياسية وشخصيات عامة في دول أخرى أحياناً لا تلعب دوراً محورياً في دولها، لا سيما في ليبيا.

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/25 الساعة 01:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/25 الساعة 01:32 بتوقيت غرينتش

تُحمل الأطراف الليبية، بداية من القادة السياسيين وانتهاء بالمواطنين العاديين، مسؤولية عدم تحقق أهداف ثورة فبراير/شباط من رفاهية للعيش واستقرار للأمن والأمان والديمقراطية للأطراف الخارجية التي "تتآمر عليها وتضع العصا في عَجَلتها"، وكثيراً ما نسمع في تحليلات الساسة والمحللين والأحاديث الاجتماعية عبارات "التدخل الخارجي" و"الأيادي السوداء" ومتلازمة الثنائيات المشيطنة (الإمارات – مصر) – (تركيا – قطر)، كل ثنائي يُشيطن حسب خارطة التأييد، التي يتهمها المتكلم الليبي بإجهاض الثورة!

هذه الشماعة أضحت لسان حال كل متكلم ليبي يعلق عليها أسباب تعثّر الثورة، بل وتعداها إلى شماعات أخرى تمثلت في أحزاب سياسية وشخصيات عامة في دول أخرى أحياناً لا تلعب دوراً محورياً في دولها، لا سيما في ليبيا.

الشماعة الأولى:

من هذه الأمثلة حملة الاستنكار التي قادتها شخصيات عامة قريبة من تيار رئاسة البرلمان في طبرق شرق ليبيا بشأن ما وصفوه بـ"تدخل" رئيس حركة النهضة التونسية -أكبر حزب إسلامي في تونس- راشد الغنوشي في الشأن الداخلي الليبي واتهامه والحركة بالانحياز للتيار الإسلامي في ليبيا، ممثلاً في جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الليبية المقاتلة.

حملة الشخصيات العامة الليبية سخر منها الأمين العام لحزب حركة النهضة ورئيس الوزراء التونسي الأسبق علي العريض، في حديثي معه الأسبوع الماضي، قال لي إن دورهم لا يتعدى كونهم وسيطاً لا يملك أن ينحاز لأي طرف من الأطراف الليبية، وأن كل ما سيقومون به هو تسهيل الاتصالات بين الفرقاء الليبيين؛ ليتسنى للأطراف الوصول إلى حوار يؤدي إلى وفاق، وأنهم جزء من مبادرة ترعاها دول الجوار تحت أنظار المجتمع الدولي.. إلخ.

خلاصة ما فهمته من الرجل أنهم نقطة في بحر مبادرة دولية كبرى لا تملك الانحياز من عدمه، وهو ما يبيّن أن استنكار النشطاء لا يتعدى كونه خيالاً صنعوه في عقولهم.

الشماعة الثانية:

مثال آخر لتلك الشماعات ألا وهي حملة الاستهجان والاستنكار والتخوين التي شنتها أطراف موالية للمؤتمر الوطني العام في طرابلس بشأن قرار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بترشيح رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض رئيساً لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا -الذي رفضته الولايات المتحدة ودار سجال طويل حوله لا يتسع المكان لذكره- خلفاً لكوبلر.

الأطراف أخذت تكيل الاتهام للأمم المتحدة وتنشر صور من "أتى لينحاز للبرلمان في طبرق ضد طرابلس".الغريب في الأمر أن هذه الاتهامات سبق فياض إليها اللبناني طارق متري، والإسباني ليون، والألماني كوبلر، لكن نعلم ويعلم مَن يكيل كل هذه الاتهامات أن الموظف الأممي ينحاز إلى مصالح المجتمع الدولي المدروسة والمعدة مسبقاً، وقد ينفذها شخص من بني جلدتنا أو أي موظف من بلاد الواق واق، ونعرف جيداً أنها لا تنحاز للشعوب بقدر انحيازها لمصالحها.

الأمثلة كثيرة عن تلك الشماعات، ولكن أطرفها ذلك الذي وصفت فيه السفارة الإيطالية لدى ليبيا الاتهام الموجه إلى إيطاليا من أحد أعضاء مجلس النواب بالمسؤولية عن إسقاط طائرة مروحية تابعة لعملية الكرامة جنوب سرت بـ"الهراء وبأنها تصريحات هزلية وغير مسؤولة تصدر عن نائب في برلمان"!

والرد الإيطالي لخص عمق المأساة وأعطى إجابة نحسبها من وجهة نظرنا الحالية أنها منطقية وألخص تفاصيلها في النقاط التالية:

1- ما حدث في ثورة 17 فبراير/شباط:

فعلاً هراء -كما قالت إيطاليا للنائب الليبي- لأن الصدام والصراع اللذين شهدتهما ليبيا إبان اندلاع ثورة 17 فبراير والإطاحة بنظام القذافي كان من قبل شعب ليبيا على حاكم ليبي؛ بسبب نظام شمولي أفقر وقتل وعذب وكلا القامع والمقموع ليبيّان (وإن استخدم القذافي آلاف المرتزقة وإن استعان الشعب بالمجتمع الدولي).

2- الانقسام السياسي والحرب:

الانقسام السياسي بين الشرق والغرب وتعثر الديمقراطية والحرب التي أهلكت الحرث والنسل خلال السنوات الثلاث الأخيرة وإن دُعمت من أطراف خارجية إلا أن الفاعل على الأرض ليبي ولولا تجاوب الداخل لما جاء الخارج.

3- الإرهاب وتدهور الوضع الأمني:

تمدد تنظيم الدولة في بعض المدن وانتشاره رغم القيادات الفاعلة الأجنبية فيه إلا أنه إن لم يجد الحاضنة لما تمدد وانتشر في تلك المدن.. تدهور الوضع الأمني وقطع الطرق والإخفاء القسري والسطو المسلح والقتل على الهوية كل ذلك بأيدٍ ليبية وبأحقاد ليبية سابقة أنتجتها تراكمات الصراع السياسي.

4- الانتكاسة الاقتصادية:

الانتكاسة الاقتصادية والأزمة المعيشية الخانقة للمواطن -التي جوَّعته وأفقرته- حلقة متصلة سببها الانقسام السياسي الذي أدى إلى الفراغ الأمني، والذي تسبب بدوره في إهدار المال والعبث بمقدرات الدولة.
فمن أغلق الموانئ النفطية وحرم مصرف ليبيا المركزي من النقد الأجنبي وأدخل الدينار الليبي غرفة الإنعاش وأجبر النساء وكبار السن على الطوابير الطويلة والمبيت أمام المصارف للحصول على جزء بسيط من مرتباتهم – لنقص السيولة- وفاقم أزمة التعليم والصحة لم يكن تركياً أو قطرياً أو مصرياً.

ومَن أهدر المال من حكومات ليبيا المتعاقبة، ومن هرب الوقود والسلع إلى دول الجوار، ومَن دمر القطاع الخاص وجعل من شعب الدولة الريعية شعباً ريعياً فارتفع بند المرتبات في الموازنة العامة من 9 مليارات دينار ليبي قبل ثورة فبراير إلى ما يناهز 23 ملياراً بعد الثورة لم يكن تركياً أو قطرياً أو مصرياً.

خلاصة القول: إن ما ادَّعيناه وندَّعيه من البراءة والطيبة والمؤامرة الكونية علينا التي لطالما صدح بها القذافي على منابره وصدح بها ورثته من بعده، أسطورة لا أساس لها من الصحة، فكفانا اتهاماً للخارج بوضع العصا في عجلة ثورتنا وبـ"ثقب الأوزون"، وكل ما نحن فيه ارتكبته أيدينا؛ من فساد أنفسنا وسيئات أعمالنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد