بُنِي الطُّغْيانُ على خَمْسِ ** تَقْديمُ الذَّيْلُ على الرَّأْسِ
تَخْدِيرُ الحَاضِرِ بالأَمْسِ ** توزيع الخوف مع اليَأْسِ
هكذا وصف شاعر الثورة المصرية عبد الرحمن يوسف القرضاوي نظاماً ديكتاتورياً كان يحكم مصر، ويحكم العرب من فوقها، طغيان لم يترك بلاداً عربية إلاّ واستوطنها، طغيان لم يسلم منه مواطن من تلك الدول حتى ولو كان أسيراً سجيناً في دهاليز لا يعرفها إلا الطغاة، ومن تلك الدول التي استوطنها الطغيان، ومن تلك الشعوب التي سلخها هذا الداء.. سوريا والسوريون.
ولأنّ أصعب مرحلة في كتابة مقال عن التعذيب هي البدايات، فتاريخ التعذيب في السجون العربية والسورية لا يحتاج إلى تذكير ولا سرد؛ لذلك سأنطلق من واقع هذا الداء، تقرير منظمة العفو الدولية الأمنستي الصادر في 7 من فبراير/شباط 2017، تقرير فجرّ أرقاماً شكلت إعصاراً مدمراً لشيء اسمه الإنسانية في هذا العالم.
قالت منظمة العفو الدولية إن نحو 13 ألف سجين أعدموا شنقاً وتعذيباً في سجن تابع للحكومة السورية بالقرب من العاصمة دمشق على مدار خمس سنوات بدءاً من سنة 2011 إلى 2015، كان ذلك السجن هو سجن صيدنايا، فمرحباً بكم في صيدنايا، مرحباً بكم في الجحيم.
يقع سجن صيدنايا في قرية صيدنايا الجبلية الواقعة شمالي العاصمة السورية دمشق، بالقرب من مدينة التل، ويقع تحت الجبل الكبير، ويتسع لأكثر من 15 ألف سجين، يُعد سجن صيدنايا من أكبر وأحدث السجون السورية؛ إذ أنهت الحكومة بناءه عام 1987م، ويتكون المبنى من ثلاثة طوابق، ويضم كل جناح في كل طابق عشرين زنزانة جماعية، ويحتوي الطابق الأول على 100 زنزانة انفرادية.
ويُحتجز حالياً في سجن صيدنايا ما بين 10 و20 ألف معتقل، غالبيتهم من المدنيين يقيمون في "المبنى الأحمر"، في حين يُشكل ضباط وعناصر قوات النظام نزلاء "المبنى الأبيض"، وقتل فيه، منذ بداية الثورة السورية وحتى عام 2016، بحسب تقرير منظمة العفو الدولية، المعنون "المسلخ البشري"، ما يقارب 13 ألف شخص، من أصل 17 ألفاً قتلوا في المعتقلات السورية خلال الفترة ذاتها.
منظمة العفو قالت إن هؤلاء تعرضوا "إلى جريمة الإبادة، وهي إحدى الجرائم ضد الإنسانية".
واتهمت المنظمة -في تقريرها الصادر تحت عنوان "مسلخ بشري: شنق جماعي وإبادة في سجن صيدنايا"- الحكومة السورية بانتهاج "سياسة الإبادة"، واستند التقرير على شهادات 84 شخصاً أجرت معهم المنظمة مقابلات، من بينهم حراس وسجناء سابقون وقضاة، وكشف التقرير عن أنه في الفترة من 2011 إلى 2015، كانت تؤخذ مجموعات لا تقل عن خمسين من نزلاء سجن صيدنايا كل أسبوع إلى خارج الزنزانات ويُضربون ثم يُشنقون في منتصف الليل، في "سرية تامة"، وأضاف التقرير: "خلال هذه العملية، كان السجناء يساقون معصوبي الأعين، وهم لا يعرفون كيف ومتى تكون نهايتهم حتى يلف حبل المشنقة حول رقابهم".
وأشار التقرير إلى أن أغلب من أعدموا شنقاً كانوا من المدنيين ومن الإسلاميين المعارضين للأسد، وقال أحد القضاة الذين أدلوا بشهادتهم للمنظمة وشاهد إحدى عمليات الإعدام، إنهم "(السجناء) كانوا يعلَّقون على المشانق مدة تتراوح بين عشر وخمس عشرة دقيقة"، وأضاف نفس الشاهد أنه "بالنسبة للصغار، لم تكن المشنقة كافية لقتلهم بسبب وزنهم الخفيف، فكان نواب الضباط يسحبونهم بقوة إلى الأسفل ويكسرون رقابهم"، وقالت المنظمة الدولية إن هذه الممارسات تُعد جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مرجحة أنها ما زالت تحدث حتى الآن.
وقد دعت فيه منظمة العفو الدولية بعد إصدارها لتقريرها حول سجن صيدنايا إلى إجراء تحقيق دولي عاجل ومستقل بشأن التعذيب في السجون السورية، كما دعت المنظمة المعروفة بدفاعها عن حقوق الإنسان إلى السماح لمراقبي المنظمة ومراقبي الأمم المتحدة بالدخول إلى سجن صيدنايا وبزيارة السجون السورية ومراكز الاعتقال في البلاد.
هذا التقرير الرهيب من الأمنستي قُوبِل برفض رسمي وروسي كبير؛ حيث وصفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية التقرير بأنه "مجرد استفزاز متعمد آخر يهدف إلى صب الزيت على النار".
هذا الاستفزاز كما وصفه شذاذ الآفاق الروس هو الذي جعل 13 ألف شهيد سوري يعدمون شنقاً وخنقاً وتعذيباً، إنّها فظائع إن دلت على شيء فإنما تدل على أنّ الفاشية الروسية الأسدية قد بلغت العنان، وقالت لجميع من فقد ضميره وإنسانيته: مرحباً بكم في صيدنايا.. مرحباً بكم في الجحيم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.