تدقيق: رزق
كيف باع جدِّي أرضه في فلسطين؟
إنه صيف عام 1999م، درجة الحرارة لا ترحم، لكن ذلك لم يثنِ والدي عن مبتغاه، نهضنا من نومنا متثاقلين، بينما كان الحماس يدب في أوصاله، لم أدرِ وقتها سبباً لهذا الحماس، لكنني عندما كبرت أدركت سببه وشعرت بمعناه، فقد كان والدي يستعد للسفر إلى "موطنه" فلسطين بعد انقطاع دام عشرات السنوات.
كانت الأشواق تأكل والدي قبل شهور من الرحلة، الحنين لرؤية والدته التي تجاوزت السبعين جعله أشبه بقطعة ملح وُضعت في زيت مغليّ، ظل يحكي لشقيقتي الصغرى لشهور طويلة عن جدتي ومنزلها البسيط، باذلاً محاولات حثيثة لتشويقها للرحلة، يبدو أنه كان يبحث عمن يشاركه لهفته، فلم يكن يستطيع إخفاء مشاعر الطفل الصغير الذي يسعى لاستعادة ذكريات الماضي وحضن والدته الدافئ الذي فارقه منذ زمن بعيد.
بالنسبة لي: كانت الزيارة الثانية لقطاع غزة في عمر الـ14، لا أستطيع أن أحتسب الزيارة الأولى، فقد كنت طفلاً وقتها في الخامسة من عمري، ولم يتبقَّ في ذاكرتي من الزيارة الأولى سوى شوارع مغلقة وسيارة جيب إسرائيلية تطارد أطفالاً يقذفونها بالحجارة.
كنا مدللين بصورة كبيرة وقتها، عِشنا معظم حياتنا بصورة جيدة في السعودية، وكنا نقضي إجازاتنا السنوية في مصر، نزور أقارب والدتي "المصرية" بعكس أقارب والدي في فلسطين، فقد كانت إسرائيل تمنع دخولنا لبلادنا، ولكن وبعد توقيع اتفاقية أوسلو بات مسموحاً لنا بزيارة لا تتجاوز الشهر بالتنسيق مع الجانب المصري والإسرائيلي والسلطة الفلسطينية في إجراءات معقدة تمتد لشهور طويلة.
لم يتوقف والدي للحظة عن حلم العودة إلى الوطن، وبالرغم من أنه كان ممنوعاً من الإقامة في بلده، فإنه لم يفقد الأمل يوماً في العودة، وما أن لاحت أوسلو في الأفق حتى قرر أن يضع "تحويشة العمر" في منزل مكون من خمسة طوابق في غزة؛ كي يعيش مانحاً لكل من أبنائه دوراً يقيم فيه مع زوجته المستقبلية، كان تفكيره حالماً، ربما يكون ساذجاً، خاصة أننا جميعاً ممنوعون من الإقامة في فلسطين، بل دخولها أيضاً.
لكنه كان مخلصاً على الأقل في أحلامه، كان يسعى جاهداً بشتى السبل للحصول على "جمع شمل"، وهي وثيقة تصدر عن طريق إسرائيل والسلطة الفلسطينية لمن تم تشتيتهم وتهجيرهم بعيداً عن أسرهم، بالطبع كان الحصول على جمع الشمل أمراً في غاية الصعوبة؛ نظرا لتعنت إسرائيل الرافضة لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وجمع شملهم بأسرهم، ولم تفلح محاولات والدي في شرائها بأي مبلغ من المال.
حتى عرض صديق مقرب على والدي مستغلاً أنه شقيق لقيادي شهير في حركة فتح "من الشخصيات المرموقة حالياً" أن يصبح ضمن الوفد المفاوض في اتفاقية أوسلو؛ كي يحصل له بهذه الحجة "الدبلوماسية" على جمع الشمل، لكن والدي رفض، عرض عليه صديقه فقط أن يدرج اسمه ضمن الوفد المفاوض، ويوقع، فرفض أن يتنازل عن شبر من أرض فلسطين حتى ولو بمجرد توقيع، لم يحصل على جمع الشمل، لكنه لم يفقد الأمل واستمر في بناء المنزل.
دعونا نعُد إلى رحلتنا، لن أحكي عن طول الرحلة التي استغرقت أضعاف أضعاف مدتها الحقيقية؛ بسبب إجراءات أمنية متعنتة وغير آدمية ومبالغ فيها من الجانبين: المصري والإسرائيلي، فبالرغم من تحركنا مع شروق الشمس، فإننا وصلنا إلى القطاع منهكين في حدود العاشرة مساء.
انحنى والدي مقبّلاً يد والدته، وسط بكاء حار منها ومن عمَّتي التي تركها والدي وهي صغيرة في السن، وسط مشاعر إنسانية يطول الحديث عنها، كان بيت جدتي مبنياً على الطراز الفلسطيني القديم، أشجار الليمون والزيتون تمتد أمام "فرندة" طويلة تصطف فيها غرف النوم والصالون والمطبخ متجاورة في شكل أقرب للسجون بشكل متوازٍ أمام الحديقة، ومَن خلفهما ممر ضيق عبارة عن عشة لتربية الدجاج، أما الحمام فهو في قلب الحديقة ومهمة الوصول إليه ليلاً في غاية الرعب بالنسبة لصغير مثلي.
تيقظت من النوم صباح اليوم التالي، فوجئت بعشرات، وربما مئات من الأقارب والأصدقاء والمعارف الذين أخذوا في التوافد إلى المنزل تباعاً، أناس يأتون وأناس يرحلون، لم أكن أعلم يوماً أن لي أقارب بمثل هذا العدد المهول، أما الأعجب والأغرب أنني لم أكن أعرف أياً منهم!
لاحظ والدي ذلك فأخذ في تعريف أقاربي واحداً تلو الآخر، بعد دقائق وبعد أن انتهى والدي من آخر الحضور سألني أحدهم ضاحكاً: هل تتذكر مَن أنا؟ فلم أجب بالطبع، فنظر أحدهم لوالدي مواسياً إياه، سيتعرف علينا مع مرور الأيام.
لم ينقطع الضيوف عن منزلنا طوال الشهر الذي أمضيناه هناك، واستطاعوا الحفاظ على قوة تدفقهم بلا انقطاع، وبدأت أتعرف على فلسطين من خلالهم.
كانت زيارة طويلة يصعب تلخيصها في مقال واحد، جلسات طويلة مع جميع أطياف العَلم الفلسطيني، آراء مختلفة، مؤيدين ومشككين ورافضين لعملية السلام، أسلوب معيشة غريب، مياه سيئة للغاية، ومنتجات في غاية الروعة كُتب عليها باللغة العبرية، نقاشات وحلقات سياسية تدور كل يوم بصورة عفوية مع مواطنين عاديين ورموز سياسية كبرى نشاهدها الآن على شاشات التلفاز.
في إحدى الليالي بعد أن رحل الجميع، جمعنا والدي حوله في "الفراندة" وأشجار الليمون تتلاعب حولنا، وبالرغم من أننا كنا في نهاية شهر يوليو/تموز، إلا أن الطقس كان رائعاً كعادته في فلسطين، نسائم الهواء تحرك أوراق الشجر، نرى التأثر على وجه والدنا من خلال ظلال تترامى من "لمبة جاز" متهالكة وضعت بعد أن انقطعت الكهرباء للمرة السابعة في نفس اليوم، هنا قرر والدي أن يحكي لنا في هذا المكان بالذات ذكرياته، وكيف ترك أرض فلسطين.
كم تمنيت لو كنت أملك كاميرا لأسجل هذه اللحظة، أعتقد أنني لو أمعنت التدقيق وقتها في ملامح والدي للاحظت دمعة حزينة تتوارى خلف نظارته السميكة، لماذا قرر أن يحكي لنا قصته وتاريخ بلادنا في هذه اللحظة وفي هذا المكان لا أدري؟ ولكنني أستطيع أن أخمن سبب ذلك اليوم، فما زلت أتذكر ملامحه وهو يعتدل كي يحكي لنا حكايته، أو بمعنى أصح حكايتنا:
"بدأ اليهود في الهجرة إلى فلسطين منذ عام 1882م مستغلين ضعف الدولة العثمانية، كان معظم اليهود الوافدين من روسيا، ومع انهيار الخلافة العثمانية وسيطرة البريطانيين على القدس عام 1917م ازدادت الهجرة.
منذ اليوم الأول بدأت بريطانيا تنفذ وعد بلفور بإنشاء دولة يهودية على الأراضي الفلسطينية، وباتت الصحافة الفلسطينية تحذر من المخطط الصهيوني الذي يتم برعاية بريطانية.
رسم كاريكاتيري قديم يحذر من خطر الصهيونية
تظاهرت بريطانيا بالوقوف موقف المحايد، ولكنها كانت تسهل الهجرة غير الشرعية لليهود لأرض فلسطين، سهلت قوانين تملك الأرض لليهود وفرضتها بالقوة، فأعطى مَن لا يملك مَن لا يستحق، وحاولت فرضهم علينا كجزء أساسي من الشعب الفلسطيني.
عملة قديمة أصدرتها بريطانيا كتب عليها بثلاث لغات: الإنكليزية والعربية والعبرية
بدأ الفلسطينيون والعرب يتذمرون من الوضع المفروض عليهم، وبدأت التظاهرات والاشتباكات تتسع يوماً بعد يوم، وتشكلت كتائب مقاومة من المتطوعين الفلسطينيين والسوريين والعرب، وبدأت في تنفيذ هجمات ضد الاحتلال البريطاني والعصابات اليهودية، كانت مطالبهم تتلخص في ثلاثة مطالب رئيسية:
• إيقاف الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
• منع انتقال الأراضي العربية إلى اليهود.
• إنشاء حكومة وطنية مسؤولة أمام مجلس نيابي.
تجاهلت بريطانيا مطالب الفلسطينيين، انفجرت ثورة البراق إثر قيام اليهود بالذهاب إلى حائط البراق والهتاف ضد العرب والمسلمين، تصاعدت الاشتباكات، استشهد العشرات على أيدي قوات الاحتلال وصدرت أحكام مشددة بالسجن والإعدام.
صورة لأشخاص تم إعدامهم على يد الاحتلال الفلسطيني لمشاركتهم في الثورة.
لم يتغير الوضع كثيراً وتزايدت الهجرة غير الشرعية إلى فلسطين، مما أسهم في اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى، التي استمرت لثلاث سنوات ما بين عامَي 1936 – 1939م، والتي بدأت بإضراب شمل جميع الأراضي الفلسطينية وتوسع الأمر حتى وصل إلى حروب شرسة استخدمت فيها القوات البريطانية الطيران الحربي للقضاء على الثورة، لكن وبالرغم من الخسائر الفادحة التي نجحت المقاومة في تحقيقها في صفوف القوات البريطانية واليهود، إلا أن الثورة لم تستطِع تحقيق أهدافها، رغم سقوط آلاف الشهداء من الفلسطينيين والعرب؛ نظراً لفارق التسليح والقوة الكبيرة بين الطرفين.
في ذلك الوقت كان جدكم يعيش في قرية صغيرة تسمى "السوافير الغربية" شمال قطاع غزة، كانت جميع أراضي هذه القرية بالكامل مملوكة للفلسطينيين وقتها، كنا نملك عدة "دلمات" من المزارع، لم يبِع جدك أو أي من الفلسطينيين أرضهم كما يتهمنا الكثيرون.
كانت العصابات الصهيونية تقتحم القرى واحدة تلو الأخرى، يرتكبون أبشع الجرائم بحق الأطفال والنساء تحت حماية الاحتلال الإنكليزي، لم يكن جدك أو أي من أهالي قريتنا يملكون سلاحاً للمقاومة والموت ببسالة، كان أمام جدك خياران: إما أن يذبح هو وعائلته بدم بارد على يد العصابات اليهودية، أو أن ينزح إلى غزة، فلم يجد بديلاً عن الخيار الأخير في انتظار الجيوش العربية التي بدأت في التوافد من المحيط إلى الخليج.
لكن الجيوش العربية انهزمت، كان هناك خيانة، الجميع يعلم ذلك، "قالها والدي بثقة"! فقد كانت الأنظمة العربية التي جاءت لتحرير الأرض خاضعة للاحتلال البريطاني الذي جاء بالصهاينة، لقد كانت الجيوش العربية قريبة من دخول القدس، لكنها توقفت فجأة دون سبب واضح، حتى خسرنا الحرب والمزيد من الأراضي للأسف.
اضطر جدك إلى أن يقبل بالأمر الواقع شأنه شأن الكثيرين، بنى هذا المنزل الذي تجلسون فيه الآن وظل القطاع تحت الحكم العسكري المصري، وانتظرنا من جديد وعود العرب بالتحرير، إنها الوعود التي تضاعفت مع رحيل الاستعمار عن الدول العربية.
جاء عام 1967م، القوات المصرية والسورية تستعد للقضاء على إسرائيل ورميها في البحر، كما قال ناصر، لم يقُم أحد بتسليح الفلسطينيين للدفاع عن أرضهم جنباً إلى جنب مع الجيوش العربية، لا أدري لماذا؟
جلسنا بجانب الراديو نتابع إذاعة صوت القاهرة، القوات المصرية تسقط عشرات الطائرات الإسرائيلية، الفرحة تعم المنازل، سنعود أخيراً إلى ديارنا، لكن أحلامنا بدأت تتحطم عندما شاهدنا الدبابات الإسرائيلية وهي تقتحم القطاع بلا أية مقاومة، القوات المصرية تبخرت فجأة، القوات الإسرائيلية تنادي بمكبرات الصوت: "على جميع الشباب ما بين الـ18 والـ40 التواجد في منتصف البلدة في خمس دقائق ومن لم ينفذ سيتم إطلاق النار عليه!".
صمت والدي قليلاً وتابع: "كان عليَّ أن أتخذ قراري في ثوانٍ معدودة، دار نقاش سريع بيني وبين جدك وجدتك، كان يخشى من تنفيذ الإسرائيليين لتهديدهم ويتم قتلي في المنزل، بينما كانت جدتك تخشى أن يتم قتلنا بدم بارد في ساحة المدينة، حزمت أمري واتجهت مسرعاً إلى وسط المدينة تاركاً والدتي في حالة لا توصَف.
بعد انتهاء المهلة القصيرة، قتل عشرات الشباب لمجرد تأخرهم لبضع ثوانٍ عن الحضور، تم تفتيش المنازل وقتل العديد من المتخلفين، من بينهم عمي عبد العزيز، بعد ساعات من تركنا في الساحة بلا ماء أو طعام تم نقلنا في حافلات عديدة، أجبرونا على خفض رؤوسنا طيلة الطريق، حاول أحد أصدقائي رفع رأسه فانفجر رأسه برصاصة، تناثرت دماؤه على أجسادنا.
حاولت أن أنظر بطرف عيني من خلال النافذة، فلم أتبين إلا ظلام الليل، لكنني تيقنت من أنه يتم نقلنا إلى منطقة صحراوية غير مأهولة بالسكان، لاح برأسي هاجس أنه سيتم قتلنا وتصفيتنا ورمينا في الصحراء؛ لكي يتم التستر على الجريمة، بعد ساعات طويلة طلبوا منا النزول، كانت المفاجأة أنهم تركونا في الصحراء بلا ماء أو طعام، بعد فترة علمنا أننا في صحراء سيناء، تم تهجيرنا وإبعادنا عن أرضنا وأهلنا ووطننا وتركنا لنموت جوعاً أو عطشاً في سيناء".
لن أحكي العديد من التفاصيل فلا مجال لسردها، ولكن للقارئ أن يتخيلها، كيف أصيب والدي بشظية في رأسه، وكيف عبر سيناء جريحاً سيراً على الأقدام بلا خريطة أو طعام أو شراب تحت قصف الطيران الإسرائيلي، جثث الجنود المصريين متناثرة في كل مكان.
بعد ثلاثة أيام وصل والدي إلى قناة السويس، تم احتجازهم في إحدى مدارس القناة على يد الجيش المصري، وهو أمر طبيعي؛ نظراً لعدم امتلاكهم أوراقاً تثبت هويتهم، الطعام قليل والوضع غير إنساني؛ نظراً لظروف النكسة، لا اتصالات ولا معلومات عما يجري.
بعد أسبوع قرر بعضهم القيام بمغامرة حمقاء، كسروا باب المدرسة واندفعوا هاربين إلى الخارج، فكانت المفاجأة مهاجمة الفلاحين المصريين لهم بالسكاكين والشوم، اكتشفوا بعد ذلك أن القوات المصرية قد أقنعت هؤلاء البسطاء بأن المحتجزين هم جنود إسرائيليون؛ كي لا يفتضح أمر النكسة.
ضاع ما تبقى من فلسطين، بينما أكمل والدي حياته لاجئاً في مصر، أكمل تعليمه وأصر على دخول امتحانات الثانوية بعد مرور أقل من شهرين على هذا الوضع المأساوي ونجح في دخول كلية الطب والحصول على الماجستير والدكتوراه.
تزوج والدتي وهي مصرية وأنجب بجانبي 3 ذكور وبنتين، وأورثنا هويات إثبات شخصية تحت مسمى: "وثيقة سفر للاجئين الفلسطينيين صادرة من مصر"، وبِتنا لا نستطيع العودة إلى أرض وطننا الذي لم نعش فيه يوماً واحداً، ولكننا اخترنا الانتماء إليه والإيمان بقضيته رغم كل الظروف الصعبة التي تواجهنا.
والآن يا عزيزي القارئ ويا عزيزي العربي، بعد أن حاولت أن ألخص لكم كل ما عاشه والدي وجدي والفلسطينيون بشكل عام، هل لك أن تخبرني متى باع الفلسطينيون أرضهم للإسرائيليين؟
إن الخرائط المثبتة في الأمم المتحدة تثبت أن الإسرائيليين لم يتملكوا حتى 1% من أراضي فلسطين، برغم كل التسهيلات التي منحها لهم الاحتلال البريطاني. لماذا نمنح الإسرائيليين المبرر القانوني للاستمرار في جرائمهم؟ ولماذا نزور تاريخنا بأيدينا!
صورة توضح حجم الأراضي التي استولت عليها إسرائيل عبر التاريخ
نحن كلاجئين فلسطينيين نتحمل الكثير من الضغوط المفروضة علينا من العالم بأسره، نتعامل كمواطنين من الدرجة الثانية وربما الثالثة، محرومون من السفر إلى كل الأقطار العربية، نواجه صعوبات وقيود في فرص العمل، ندفع مصاريف تعليمنا بالدولار والجنيه الإسترليني بالرغم من أننا نعمل في ظروف أصعب من المواطنين الأصليين للبلد الذي نقيم فيه، بجانب عدد لا يحصى من العراقيل التي تعوقك عن ممارسة حياتك كإنسان طبيعي، ولا نحصل على أي نوع من أنواع الدعم من الدولة التي ترعرعنا وعشنا جل عمرنا بها.
بالرغم من كل هذه الظروف، وبالرغم من أن والدتي مصرية، ويحق لي الحصول على جنسيتها، فما زلت أنا وإخوتي متمسكين بهويتنا ونرفض الحصول على الجنسية المصرية؛ لأن السلطات المصرية تشترط سحب الوثيقة الفلسطينية منك قبل أن تمنحك الجنسية، بحجة أنه لا يمكن للدولة أن تمنحك وثيقتين في نفس الوقت، وهو أمر يطول شرحه وسأفرد له مقالاً كاملاً.
كثيرون من أصدقائي يصفونني بالساذج، ربما أكون ساذجاً كوالدي الذي وضع كل ما يملك في منزل في بلد لا يستطيع دخوله، بالفعل أضع نفسي ومن معي في مهمة في غاية الصعوبة، إن لم تكن مستحيلة، تبدو الحياة فيها أكثر سواداً مقارنة بأسلافنا من المصريين، لكننا تحملنا الكثير وما زلنا نتحمل، وما زال الفلسطينيون متمسكين بقضيتهم، سواء كانوا من فلسطينيي الداخل أو الخارج، لن أطالب بتحسين أوضاعنا القانونية والمعيشية والحقوقية، ولكنني أطالب فقط بعدم تزوير تاريخنا!
لقد ضاعت فلسطين منكم قبل أن تضيع منا، وفشلتم أنتم كعرب في حمايتنا وحماية أرضنا، وتقاعستم مراراً وتكراراً عن تسليحنا، وما زلتم تعجزون عن تحرير أرضنا؛ بل تلوموننا في كثير من الأحيان، فقط لأننا اخترنا المقاومة، فإذا كنتم قد قررتم التخلي عن القضية، فاتركونا نقاوم بطريقتنا لتحريرها، ولكن لا تختلقوا الأكاذيب لتبرير خوفكم وتقاعسكم، اتركونا، كفّوا عنا أكاذيبكم، فجدّي لم يبِع يوماً أرضَه، ونحن لن نبيع أرضنا أو نتنازل عن هويتنا مهما حدث.
شهادة للتاريخ: باسل عبد الحميد نوفل 26 أكتوبر/تشرين الأول 2015.
صورة لوالدتي مع جدي وجدتي في منزلنا في فلسطين
صورة لوالدي في مدينة القدس "عاصمة فلسطين"
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.