لا أحب جلد الذات أو أن أشيع التشاؤم بين أبنائي وأصدقائي، إلا أنني لا أرى جدوى بمقارعة التفاصيل الدموية لما يدور بالشام، وخاصة حلب، إنما أبحث عن فهم للاستراتيجية والمآلات التي لطالما صبت بمصلحة الأقوياء وأصحاب النفوذ.
دعونا لا نذهب بعيداً، فالبصرة إحدى المدن الكبرى بالعراق، الذي قدم الغالي والنفيس في كافة الميادين من أجل العرب والعروبة، ناهيك عن علماء البصرة اللغويين الذين أثروا وحققوا وقدموا ما لم يقدمه أحد للغة العربية وعلومها، أمثال: أبي الأسود الدؤلي، والجاحظ، والأصمعي، وابن سيرين، والموردي، وغيرهم.
لم أنسَ الإمام أبا حنيفة وحسن البصري، فقد أصبحا من تاريخ أهل السنة والجماعة؛ بل من أشهر محدثيها.
احتل إسماعيل الصفوي البصرة، وقتل علماء السنة، ولم يبق أثر للإمام أبي حنيفة النعمان بها؛ بل وأدخل التشييع كمذهب وحيد لا مكان لغيره في هذه المدينة.
فلنترك التفاصيل ولنبحث في الاستراتيجية، فإسماعيل الصفوي هزم على يد العثمانيين، وهي تفاصيل صغيرة لم تؤثر على ما تم تأسيسه بل وتحقيقه لاحقاً، فأصبحت البصرة مدينة يغلب عليها "المذهب" الشيعي، وتراجعت لمؤخرة الحواضن العلمية والثقافية، وشح إنتاجها الفكري والثقافي، هذه قصة مدينة وشعب أصبحت أثراً بعد عين في المجالين الفكري والثقافي.
أما في أيامنا هذه، فالسؤال الأهم هو: هل تسير حلب على خُطى البصرة؟ أم أن العرب سيتداركون الموقف ويقفون سداً منيعاً أمام جحافل الجهل وزحفها لحواضرنا العربية؟
فالتشيع أصبح أداة بمتربصي الأمة العربية لإغراقها بمزيد من الجهل ومزيد من الصراعات التي نحن في غنى عنها، ولن تضيف للمشهد العروبي سوى المزيد من المآسي والآلام.
هل تكرر إيران وأعداء العرب في حلب ما فعله إسماعيل الصفوي في البصرة؟
لعلمكم، فالأميركيون أتموا ما بدأه إسماعيل الصفوي بالعراق.
هل ستصبح "حلب سوريا"، "بصرة العراق" ومن ثم نسياً منسياً؟ من سيكمل الاستراتيجية الإيرانية بحلب إذا لم يتم الانتهاء منها وإتمامها؟
لديَّ شك كبير في أن يوقف هذا المخطط أي من الكيانات "الدول" العربية؛ بل أعتقد أن الدول العربية تتعامل تكتيكياً متأثرة بالتفاصيل والأحداث اليومية، فيما نظرة الآخرين ومخططاتهم، استراتيجية وبعيدة المدى.
نعم فلنصارح أنفسنا ولنسمِّ الأمور بمسمياتها، فأنا لست ضد أي مذهب أو دين، ولا أرى أي جدوى من محاربة أفكار وأيديولوجيات، وخاصة الدينية منها.
وعليه.. كان لزاماً على أصحاب القرار في عالمنا العربي أن يبنوا استراتيجية تحد من النزيف الهائل الذي تعانيه حواضرنا العربية، بدءاً بتدميرها وحرقها، ومن ثَم تصنيع مجتمعات جديدة لا تعي تاريخها الفكري والثقافي؛ بل وأحياناً تتجاهله وتنكره أحياناً أخرى.
خلاصة الأمر أصبحت المجتمعات العربية عرضة للتغييرات الدينية والمذهبية وفقاً لما تقتضيه سياسة الأقوياء، زِد على ذلك أن هذه المجتمعات لا تزال تعاني من التخلف والجهل، بالرغم من التغيرات التي مرت بها على مر العصور، فالأجندات الخارجية لم تصب بمصلحة المواطنين العرب قط، حتى تلك الأجندات التي ذهبت لأبعد الحدود ونادت بتغيير المعتقدات والدين، وكانت ناجحة بشكل ما، لم تسهم ولو بالقليل في ازدهار وتطور شعوب مشرقنا العربي، وحتى عالمنا الإسلامي أجمع.
فيما يبقى السؤال الأهم: أي الكيانات "الدول" العربية التي يمكن لها أن تخطط وتقدم استراتيجية متكاملة لمواجهة ما يحيكه الآخرون؛ بل ويطبقونه دون أي اعتراض من قِبلنا؟ الإجابة بسيطة وواضحة للعيان، فلا حاجة للبحث عن كيان "دولة" عربية للإجابة، فكياناتنا ما زالت غير مؤهلة وغير قادرة على التخطيط للاستراتيجيات أو التخطيط بعيد المنظور.
وداعاً حلب.. مرحباً بـ"بصرة الشام".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.