للخروج من الفقر لا بدَّ من ترويض النيل

انقلب الحال بعد الكثير من المؤتمرات آخرها شرم الشيخ وعنتيبي، خرجت الاتفاقية الإطارية التي صحت بموجبها دول المنبع ووقّعت اتفاقية أصبحت هي المخرج الوحيد، والوقوف أمام التعنت المصري الذي يصر بما يسمى الحق التاريخي في النيل

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/13 الساعة 03:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/13 الساعة 03:31 بتوقيت غرينتش

مرحلة أولى

التاريخ الإثيوبي مليء بالأحداث التي لا ينساها التاريخ، فكانت لأكثر من أربعمائة عام تحت وطأة الحروب والصراعات التي فقدت بموجبها إثيوبيا أعداداً كبيرة من الأرواح، وكانت المرأة والطفل أكثر الضحايا الذين عانوا الأمرَّين جرَّاء هذه التحولات التي شهدتها إثيوبيا، وكان هناك الكثير من نقاط التحول التي كان من الممكن أن تكون البلاد بموجبها بعيدة عن هذه الأحداث، فلم تكن إثيوبيا مستعمرة، فحاول المستعمر الدخول إليها، إلا أن طبيعتها الجغرافية كانت هي المانع، وأيضاً عناد شعبها من أقوى الأشياء التي لم تجعل كبريات الدول الاستعمارية تهنأ بدخولها،

وذلك بأن هزمت إيطاليا شر هزيمة في معركة عدوة الشهيرة في عام 1896 م، وذلك عندما فكر المستعمر في التوغل إلى الجنوب بعد السيطرة على إريتريا، ولكن ما زال المستعمر يتربص حتى وهو خارج إثيوبيا، وقد فشل في السيطرة عليها حتى أبرم عدداً من الاتفاقيات، التي من ضمنها عدم إنشاء أي مشاريع على النيل، وذلك بتوقيع اتفاقية في عام 1902 م مع الإمبراطور منليك الثاني، وخصوصاً ان الإمبراطور لم يفكر في ذلك الوقت في أي شيء سوى إبعادهم عن البلاد، وكان المستعمر البريطاني يرى مصالحه التي توجد في مصر، التي كانت أكبر مستعمراته في إفريقيا،

وكما وقع اتفاقية عامَي 1929 و1959 تجعله يتحكم في مياه النيل وعدم السماح لأي من دول المنبع بإقامة أي مشاريع على النيل دون الرجوع إلى مصر أو إليه في ذلك الوقت، وصار هو المتحكم الوحيد في مياه النيل من المنبع إلى المصب، ولا حياة لمن تنادي.

وترى إثيوبيا أنه للخروج من الفقر لا بدَّ من مشاريع تنموية متعددة، أهمها مشاريع الطاقة الكهربائية لما لإثيوبيا من مياه متدفقة لم تستفِد منها، فقررت بناء الكثير من السدود التي توفر لها الطاقة الكهربائية، التي تستعين بها للتقليل من استيراد المحروقات، وتوفير العملات الصعبة بتصدير الكهرباء لدول الجوار، وبدأت بناء عدد من السدود، وتوقيع عدد من الاتفاقيات لمد بعض الدول المجاورة بالطاقة الكهربائية، وبدأت مشاريع الربط الكهربائي مع كل من جيبوتي والسودان.

مرحلة ثانية

ومنذ عام 1959 لم تتمكن أي دولة من إقامة أي مشروع، خاصة دول المنبع التي كانت في سبات عميق وصراعات وحروب أهلية وفقر مدقع وتخلف وظلام، وحتى الماء كانت هنالك صعوبة في توفيره، وما إن بدأ أي مشروع مائي على ضفاف النيل هلل الإخوة في شمال الوادي، وصاحوا بما يسمى الحق التاريخي والاتفاقيات القديمة، ونحن من غير نيل لا نساوي شيئاً والتهديد والوعيد والتنديد والشجب وهلم جرّا.

مرحلة ثالثة

التهديد بإعلان الحرب على كل مَن يمس النيل ومياهه وحماية أمن مصر المائي، وهذا رضا بالنصيب الذي وضعه المستعمر، رفض المصريون كل شيء من مخلفات الاستعمار إلا الاتفاقيات الخاصة بالمياه، شيء غريب، لماذا إذاً لا يكون مِن العدل أيضاً أن ترفض الاتفاقيات الاستعمارية؟

مرحلة رابعة

انقلب الحال بعد الكثير من المؤتمرات آخرها شرم الشيخ وعنتيبي، خرجت الاتفاقية الإطارية التي صحت بموجبها دول المنبع ووقّعت اتفاقية أصبحت هي المخرج الوحيد، والوقوف أمام التعنت المصري الذي يصر بما يسمى الحق التاريخي في النيل، ألا وهو أن لا تمس أي من الدول نقطة من مياه هذا الجبار الثائر الذي خلقه الله للجميع، دون فرز أو شرط، وخرجت المشاريع الإثيوبية التي أججت الصيحات، وكان آخرها مشروع لتوليد الطاقة الكهربائية بسعة تتراوح ما بين 6000 و8000 ميغاوات، وهو أضخم مشروع في الشرق الإفريقي، وهنا تعالت الصيحات حتى وصلت إلى التهديد بالحرب ونسف المشروع، واللجوء إلى الحرب، وكان لإثيوبيا ما أرادت بأن جمعت الأموال لتمويل السد العملاق، وذلك عقب توقف الدعم بتآمر وتحريض من بعض الدول، وبيعت الصكوك والأسهم والسندات والتبرعات، وتكونت اللجان تلو اللجان فنية وخبراء وغيرها، لإعاقة هذا المشروع الجبار، ولكن ها هو يظهر يوماً بعد يوم وينمو، وتبدأ الحفريات وعمليات التوسيع في المجرى الرئيسي.

مرحلة خامسة

ويتغير المجرى وتتدفق المياه في الموقع الجديد متخطية موقع بناء السد، وتزداد التوترات والصخب الإعلامي والشد والجذب والتجمعات في مصر والهتافات، والإعلام يلعب دوراً كبيراً في الدولتين، ويلعب المحللون والخبراء دوراً كبيراً، ويلقون تصريحات حسب أهوائهم ومزاجاتهم، وتعليقات تتغير وتتغلب حسب رأي ما يسمى المحللين السياسيين والخبراء في شؤون كذا وكذا، كل هذا وما زال السد ينمو وينمو، وكلمة تغيير أصبحت مضموناً كبير المحتوى، وكأن هذا أول سد يقام في التاريخ، وقد نسي الإعلام السد العالي وسد الروصيرص وسد جبل أولياء وخشم القربة ومروي، وسد النهضة دخل التاريخ من أوسع أبوابه كأول سد صاحب تسجيل رقم قياسي في أهميته الإعلامية لأكثر من أعوام حتى الآن، وقد تستمر حتى نهايته.

مرحلة سادسة

ما المتوقع حدوثه خلال المراحل القادمة من الصراع حول النيل من قِبل المنبع والمصب؟ هل سيستقر الوضع في المنطقة أم ستنقاد المنطقة لصراعات بسبب المياه والهيمنة عليها؟ هنا لا بد أولاً الانتظار حتى اكتمال سد النهضة الإثيوبي، وهنالك الآن الكثير من السدود والخزانات التي فكرت دول المنبع في إنشائها خلال الأعوام القادمة؛ حيث إن الخطط الإفريقية التنموية هي خطط تستمر حتى عام 2019م، وهو العام الذي قد يتم فيه مراجعة اتفاقية 1959م، بعد مرور نحو ستين عاماً عليها، علماً أن هذه الاتفاقية كان تنص على أن يتم مراجعتها بعد ثلاثين عاماً، ولكن التغيرات في المنطقة أدت لتأخرها، وحتى هذه الفترة وضعت الدول الإفريقية عدداً من المشاريع، أغلبها مائية؛ لتوفير الطاقة والمياه للري وللأغراض الأخرى.

إذاً سيستمر الصراع في المنطقة بخصوص المياه لكن ألا يجدر أن تتفق جميع المصالح من أجل الخروج لبر الأمان بالمنطقة والابتعاد عن التصعيد؟

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد