طائف جزائري بفرقاء ليبيين

وأرجح كمتابع للوضع في بلادي ليبيا نجاح مبادرة الجزائر، وصناعة نموذج يحتذى به يفوق اتفاق الطائف نجاعة لسببين اثنين: أولهما عاطفي (رغم أن السياسة لا تعترف بلغة الحب والكراهية والعواطف)، وثانيهما تحليلي مبني على استقراء للصراع في ليبيا منذ الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011.

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/08 الساعة 04:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/08 الساعة 04:11 بتوقيت غرينتش

على غرار الاتفاق في مدينة الطائف السعودية الذي أنهى الصراع بين الأطراف اللبنانية، وأوقف شلال الدماء عام 1989، أرى هذه الأيام بصيص أمل لطائف يولد في الجزائر، ولكن هذه المرة لإنهاء الصراع بين الفرقاء الليبيين، وإيقاف نزيف الدماء المنهمر منذ الانقسام السياسي في ليبيا عام 2014.

الجزائر الدولة الجارة تلعب دور الوسيط منذ عدة أشهر، وتعقد اللقاءات تلو اللقاءات على جميع الأصعدة والطبقات في ليبيا، لرعاية وساطة وتسوية سياسية توقف الحرب، وتنهي الانقسام الذي تعيشه البلاد بين ثلاث حكومات وولاءات عسكرية لا تعترف بالحكومات أحياناً، خصوصاً بعد ما آلت إليه الأوضاع من أزمة اقتصادية خانقة، واستمرار للانقسام بعد توقيع اتفاق سياسي بين الفرقاء في الصخيرات المغربية، ونتج عنه حكومة لم تحقق نجاحاً يذكر.

وأرجح كمتابع للوضع في بلادي ليبيا نجاح مبادرة الجزائر، وصناعة نموذج يحتذى به يفوق اتفاق الطائف نجاعة لسببين اثنين: أولهما عاطفي (رغم أن السياسة لا تعترف بلغة الحب والكراهية والعواطف)، وثانيهما تحليلي مبني على استقراء للصراع في ليبيا منذ الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011.

العاطفي
:

عاطفياً توقعت نجاح المبادرة الجزائرية بعد أن شاهدت في وسائل الإعلام أطيافاً عدة، بينها أحزاب سياسية في الدولة الشقيقة، تبدي استعدادها للرعاية والمشاركة إلى جانب الحكومة الجزائرية في حل الأزمة الليبية. ولمست ذلك عن قرب عندما تحدثت مع الدكتور عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية -أكبر حزب إسلامي في الجزائر- الرجل بدا لي متحمساً لرعاية حوار بين الفرقاء السياسيين في ليبيا، وقال إن الحركة تتمنى أن تكون لبنة في بناء التوافق بين الليبيين، مبيناً أن للحركة شبكة علاقات وصداقات جيدة في ليبيا، وأنها تستطيع إنجاح أي حوار بما تملكه من تجارب سابقة في هذا الجانب.

ومما لفت انتباهي أثناء حديثي معه أيضاً، وهو ما لم أشاهده من قبل خلال متابعتي المتواضعة للعلاقة بين الحركات الإسلامية والسلطة، أن الرجل يتحدث كما تتحدث الحكومة الجزائرية عن حوار بين جميع الأطراف الليبية من جميع الطبقات، فأحسست أنني أتحدث مع دولة كاملة على استعداد لحل مشاكلنا وخلافاتنا.

لم يدُم حديثي الهاتفي طويلاً مع الدكتور عبد الرزاق (نُشر بأحد المواقع الإخبارية الليبية) الذي سرعان ما ختمه ببعض الكلمات التي رسمت في خاطري الكثير من المعاني، بقوله إن ما دفعهم إلى هذه الدعوة هو الخطر الذي تتعرض له دولة ليبيا التي تعد عمقاً استراتيجياً للجزائر، وقال: "ما يهدد ليبيا يهدد الجزائر، واستقرار الأوضاع في ليبيا سينعكس على الجزائر".

التحليلي
:

أما السبب التحليلي الذي جعلني أتوقع نجاح مبادرة الجزائر فهو المعطيات والأرضية المشتركة للصراع والظروف المماثلة للبلدين، ومن نافلة القول الحديث عن التاريخ المشترك بين الجارين، فالجزائر مرت بحرب كالتي تعيشها ليبيا وخرجت منها والجزائر يتعايش فيها التيار الإسلامي والليبرالي والعسكر تحت مظلة قانون ودستور، بينما تتصارع المكونات الثلاثة في ليبيا، والجزائر شكلت بيئة حاضنة منذ عام 2011 لعائلة القذافي وعدد من رموز نظام، ولم تقاطع تيار ثورة فبراير/شباط بكل مكوناتها وتياراتها إسلامية وغير إسلامية، في حين انحازت دول لتيار الثورة في ليبيا، وانحازت دول أخرى للنظام السابق وللتيار العسكري الذي أنتجه الصراع السياسي.

والمراقب للوضع الليبي يخلص إلى أن جزءاً كبيراً من الفرقاء على الساحة الليبية لا يتعدى سقف طموحهم السياسي لبناء الدولة إعادة تدوير للتجارب السابقة، وهذا الجزء فاعل وله تأثير على الأرض، وهو ما سيبرز نجاح الجزائر التي تجمع المختلفين لتوفّق بينهم، وتفرش لهم طريق السلام إليها بالورود.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد