هل يصبح العالم ترامبياً؟!

إن هذه الظاهرة "الترامبية" -إن صح التعبير- تلتقي مع نزعة أخرى قائمة في بلدان كثيرة بالعالم، يعبّر عنها ما يسمى عادة اليمين القومي، الذي يتمحور خطابه حول فكرة السيادة والمجال الحيوي للدولة كآيديولوجية ونظام سلطوي. وتتجلى هذه النزعة، بأوضح صورة، في نموذج بوتين وتحولات النظام في روسيا إلى جمهورية قيصرية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/05 الساعة 03:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/05 الساعة 03:06 بتوقيت غرينتش

نناقش في هذه الورقة قضية انتخاب دونالد ترامب وتأثيراته على المنطقة بشكل عام، ليس ترامب كشخص وإنما كآيديولوجيا وتوجه يميني شعبوي سيعيد رسم المشهد السياسي في المنطقة والعالم أجمع.

استخدم ترامب، مع انطلاق حملته الانتخابية، خطاباً فظاً وعنصرياً يضاهي في مستواه خطاب البارات والحانات، وقد أكسبه هذا النوع من الخطاب تصويت "الرجال البيض الحانقين الغاضبين من تحولات العالم من حولهم" والذين يتملكهم شعور "بأن بلادهم تُصادر منهم حتى لم يعودوا يعرفونها". وقد استفاد من استهدافه المهاجرين في تعزيز هذا الشعور، فمع أن الولايات المتحدة دولة بناها المهاجرون، فإن المهاجرين الذين توطنوا، جيلاً بعد جيل، ينمّون شعوراً بأنهم سكان أصليون وأن فقراء العالم يتدفقون إليهم ليشاركوهم ثروات توافرت بجهدهم وعرق آبائهم وأجدادهم.

إن هذا المركب الثقافي السياسي الخطابي الذي صعد بترامب إلى الرئاسة، ليس مقتصراً على الولايات المتحدة الأميركية؛ بل ينتشر لدى فئات واسعة في بلدان أوروبا المتطورة، حيث يجري حالياً الإعداد لجبهة موحدة من أحزاب اليمين لخوض الانتخابات في 3 دول أوروبية (ألمانيا، وفرنسا، وهولندا). ووفق مارين لوبان المرشحة للرئاسة الفرنسية والتي تمثل رأس الحربة في قائمة الشعبويين اليمينيين في أوروبا، فإنه بعد قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتخاب ترامب رئيساً لأميركا فإن عام 2017 سيشهد "صحوة شعوب وسط أوروبا". وهذا الخطاب لا يعني الأوروبيين وحدهم؛ بل هو رسائل تحذيرية للعالم أجمع، فأوروبا بثقل دورها السياسي والاقتصادي وتاريخها الاستعماري وامتداداتها الثقافية، هي أهم مراكز صنع القرار الدولي، بغض النظر عن أميركا وروسيا اللتين لا يمكنهما الانفراد بالمشهد السياسي دون دعم أوروبي يراعي خلق التوازنات ويشكل أرضية تستوعب ردود الفعل.

زعم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، يوم الأحد 29 يناير/كانون الثاني 2017، أنه واضح كوضوح الشمس أن "الهيكل المقدس في القدس الذي قام الرومان بهدمه كان هيكلاً يهودياً". ولا يمكن ترجمة هذا التصريح إلا أنه يأتي في سياق التماهي مع المركب الثقافي السياسي الأوروبي المتشدد. ومن دون أدنى شك، فإن "إسرائيل" تبتهج لهذا الخطاب الجديد، وستعيد التركيز في خطابها اليوم أكثر من أي وقت مضى على يهودية الدولة، مستغلة الظروف المساندة لتنفيذ مشاريعها الاستعمارية الإحلالية.

إن هذه الظاهرة "الترامبية" -إن صح التعبير- تلتقي مع نزعة أخرى قائمة في بلدان كثيرة بالعالم، يعبّر عنها ما يسمى عادة اليمين القومي، الذي يتمحور خطابه حول فكرة السيادة والمجال الحيوي للدولة كآيديولوجية ونظام سلطوي. وتتجلى هذه النزعة، بأوضح صورة، في نموذج بوتين وتحولات النظام في روسيا إلى جمهورية قيصرية.

من هنا، ومن قناعتي بأن "المتطرفين" من أي معسكرين متضادين دائماً ما يتفقون، فإن العالم سيتفق على أن يكون "ترامبياً". ولكن، كما أشرت مسبقاً، بالمعنى الآيديولوجي والتوجه اليميني والشعبوي، وبما يحفظ مصالح كل دولة وثقافة شعبها ودينها. وعليه، سيكون مصير العرب والقضية الفلسطينية رهيناً بشكل هذه الاتفاقات بين القوة الأميركية والروسية وكُبرى الدول الأوروبية من جانب آخر.

المراجع:
• ندوة أكاديمية نظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتاريخ 10 ديسمبر/كانون الأول 2016، تحت عنوان "تداعيات فوز رجل الأعمال الأميركي دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية" (المتحدث: عزمي بشارة).

• حميدان، عادل، "أوروبا الجديدة"، صحيفة الرياض، 25 يناير 2017.

• مقابلة أنطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة مع إذاعة "صوت إسرائيل " بتاريخ يناير 2017.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد