استراتيجية “أميركا أولاً” لدى الرئيس ترامب وفريقه المعاون

يتبنى ترامب في سياسته الخارجية مبدأ "أميركا أولاً" كهدف عام من سياسته الخارجية، بمعنى أنه يجب على أميركا ألا تؤّمن مصالح غيرها أو تضعها في اعتبارها بالقدر الحالي، مع ضرورة الالتزام بالمصالح الأميركية والتعامل معها على أساس أنها الدافع الأساسي لأي تحرك على مستوى السياسة الخارجية. فأميركا ليس عليها أن تتحمل عبء حماية أو دفاع عن دول أخرى دون مقابل. لذلك، لا يرى أي مشكلة في تفكك حلف الناتو مثلاً، أو انهيار الاتحاد الأوروبي.

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/05 الساعة 03:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/05 الساعة 03:39 بتوقيت غرينتش

تكتسب الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي تجري كل 4 أعوام، أهمية كبيرة؛ نظراً لأن الولايات المتحدة الأميركية لا تزال تقف على رأس هرم النظام الدولي، وتتشابك في الكثير من أزماته وتفاعلاته، ومنها منطقة الشرق الأوسط. ورغم أن السياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط تحكمها العديد من الثوابت، والمحددات، والمصالح، بغض النظر عن طبيعة الإدارة الموجودة في البيت الأبيض إذا كانت جمهورية أو ديمقراطية، ورغم أن عملية صنع السياسة الخارجية الأميركية تقوم على المؤسسات، وليس الأفراد، فإن شخصية الرئيس الأميركي والفريق الرئاسي المعاون له تؤثر بشكل كبير في تلك السياسة، سواء من حيث التدخل، أو الانعزال، أو من حيث آلياتها، ما بين استخدام الأدوات الصلبة، مثل: القوة العسكرية، والعقوبات والضغوط السياسية، والقوة الناعمة، مثل: المساعدات، والاحتواء، والحوار، والدبلوماسية.

وفي السابق، اعتمد الحزب الجمهوري في ظل حكم الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن (2000م-2008) على امتلاك أحادي للقوة الصلبة لحماية الأراضي الأميركية، وتدعيم هيمنة الولايات المتحدة وفق رؤية ومنظور المحافظين الجدد اليمينية، التي كانت مسيطرة في ذلك الوقت، حيث إن إدارة بوش الابن قد جاءت إلى الحكم وهي ترفع شعارات وتتبنى سياسات في ظل هيمنة "المحافظين الجدد" على محاور صنع السياسة الخارجية الأميركية، وتقوم على فكرة إدارة ظهر أميركا للعالم، والحديث عن أنه "إذا تكلمت أميركا فيجب أن يستمع ويطيع العالم"، انطلاقاً من منطق ضرورة فرض الهيمنة الأميركية على العالم بالقوة، وخاضت أميركا حروباً وأسقطت أنظمة، خاصة بعد هجمات 11 من سبتمبر/أيلول 2001.

فمنذ هذه اللحظة، أصبحت السياسة الخارجية الأميركية تعتمد على القوة في ظل مفهوم جديد للأمن القومي، حيث أصبح يتعدى الحدود الأميركية ليشمل أي تهديد مستقبلي للأمن والمصالح الأميركية. وقد رفضت أميركا، بناء على هذه الاستراتيجية، التقيد بالقانون الدولي وبالأمم المتحدة والتحالفات والاتفاقيات والمعاهدات الدولية.

وعلى العكس من إدارة بوش الابن، تبنى الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما (2009-2016)، استراتيجية مختلفة تماماً، أُطلق عليها استراتيجية "القوة الناعمة"، عبر تبني سياسة تقوم على عدم استخدام القوة العسكرية في تحقيق مصالح الولايات المتحدة الأميركية، وإنما عبر "القوة الناعمة"؛ وهي أداة فعالة لزيادة النفوذ السياسي على الصعيد الدولي، دون الحاجة للتدخل العسكري، الذي كلف أميركا مليارات الدولارات في العراق وأفغانستان وغيرها من المناطق الساخنة، إلا أن هذه السياسة أدت إلى تراجع دور الولايات المتحدة الأميركية في كثير من المناطق، وخاصة منطقة الشرق الأوسط، التي تشهد الكثير من الأزمات الملتهبة، والتي كان يجب أن يكون للولايات المتحدة الأميركية دور فعال فيها، إلا أن سياسة النأي بالنفس التي اتبعتها إدارة أوباما قد عززت وجود الروس في المنطقة على حساب الدور الأميركي.

وفيما يتعلق بالرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب واستراتيجيته المعلنة، فرغم تناقض بعض التصريحات التي صدرت عن الرجل خلال فترة الانتخابات التمهيدية أو الرئاسية، سواء فيما يتعلق بالأوضاع الداخلية أو الخارجية، فإن ترامب أكد، خلال معظم خطاباته السابقة وخلال خطاب التنصيب، مجموعة من المبادئ الرئيسية التي يمكن أن تشكل ملامح السياسة الخارجية الأميركية خلال الفترة المقبلة. ومن خلال خطاباته السابقة، والتي تم الاعتماد عليها في هذا التحليل، يمكن الوقوف على عدد من المبادئ أو المنطلقات الأساسية للسياسة الخارجية الأميركية في عهد دونالد ترامب:

1ـ يتبنى ترامب في سياسته الخارجية مبدأ "أميركا أولاً" كهدف عام من سياسته الخارجية، بمعنى أنه يجب على أميركا ألا تؤّمن مصالح غيرها أو تضعها في اعتبارها بالقدر الحالي، مع ضرورة الالتزام بالمصالح الأميركية والتعامل معها على أساس أنها الدافع الأساسي لأي تحرك على مستوى السياسة الخارجية. فأميركا ليس عليها أن تتحمل عبء حماية أو دفاع عن دول أخرى دون مقابل. لذلك، لا يرى أي مشكلة في تفكك حلف الناتو مثلاً، أو انهيار الاتحاد الأوروبي.

2ـ يعدّ ترامب من أصحاب مبدأ العزلة في السياسة الخارجية، حيث يرى أن الولايات المتحدة ليس عليها أن تتدخل في تنظيم شؤون العالم من حولها وحل مشاكله، ويتجنب في سياسته الحديث عن العالمية. لذا، يغلب على خطابه الروح القومية؛ بل ويعظم من أهمية الدولة القومية كما أشار صراحةً في خطابه عن سياسته الخارجية. لذلك، لا يفضل التدخل في الأزمات الدولية، إلا إذا كانت مصالح الولايات المتحدة الأميركية معرضة للخطر، فهو من أتباع نظرية الركوب المجاني، بمعنى ترك الأطراف تتصارع، ومن ثم تجني أميركا الثمار.

3ـ لا يؤمن ترامب بفكرة التدخل الإنساني كأساس أو دافع للتدخل في الشأن الداخلي للدول. فطالما الأمر لم يمس المصالح الأميركية فلا داعي لتورط القوات الأميركية والسياسة الأميركية في هذا الشأن. لكن، عندما يتعلق الأمر بمصالح الولايات المتحدة، يجب عليها التدخل العسكري الأحادي الذي لا تعتمد فيه على أطراف أخرى. لذلك، لا يرى أي دور لأميركا في الأزمة السورية، إلا في محاربة الإرهاب؛ بهدف حماية الولايات المتحدة الأميركية من هذا الخطر.

4ـ يقف ترامب ضد الهجرة، فهو أكثر توجهاً لتأكيد أن الولايات المتحدة تقتصر على مواطنيها، فهو يسعى إلى تقليص معدل الهجرة إلى الولايات المتحدة؛ بل أحياناً يصل إلى حد منع فئات معينة من الانتقال إلى الولايات المتحدة الأميركية. لذلك، يسعى لبناء جدار مع المكسيك؛ لحماية حدود أميركا من الهجرة والمخدرات.

5. أكد ترامب أهمية إعادة الحيوية للتحالفات السابقة مع الدول الصديقة وإقامة تحالفات جديدة، ولكن من منظور المصالح الأميركية. لذلك، قد نشهد تحولاً في الانتقال من التحالف مع إيران إلى العودة للتنسيق مع الأنظمة العربية، التي قد يكون لها علاقة تقارب قوية مع الولايات المتحدة، وعلى رأسها دول الخليج ومصر، حيث أشار ترامب إلى أهمية التعاون مع دول الخليج.

رغم أن الإدارة الأميركية ما زالت في أيامها الأولى، فإن معالم التغيير على السياسة الخارجية الأميركية تبدو واضحة من حيث الشكل والمضمون. لذلك، يبدو أننا أمام تطور ومرحلة جديدة في السياسة الخارجية الأميركية، مرحلة شعارها واستراتيجيتها الرئيسية "أميركا أولاً"، تقوم على أساس تحقيق مصالح الولايات المتحدة الأميركية بعيداً عن العواطف والقضايا الإنسانية، فالرئيس ترامب يسعى خلال سنوات حكمه المقبلة لتحقيق مصالح أميركا أولاً، بغض النظر على مصالح الآخرين، فهو يتجنب الحديث عن العالمية "globalism"؛ لأنه لا يرى في العالمية أي خدمة لأميركا. لذا، يغلب على خطابه الروح القومية؛ بل يعظم من أهمية الدولة القومية، كما أشار صراحة في خطاب التنصيب.

فبالنظر إلى خطابه وخلفيته الاقتصادية وفريقه المعاون الذي يغلب عليه الطابع العسكري، نكون أمام إدارة أميركية جديدة وفق منظور اقتصادي وعسكري. ومن ثم، سوف يغلب عليها طابع الصفقات التجارية من جهة، والمواجهة العسكرية من جهة أخرى؛ بهدف تحقيق المصالح العليا للولايات المتحدة الأميركية.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد