مصر.. بأي وجه عُدتَ يا يناير؟

يناير بأي وجه عُدتَ للمصريين؟ هل لتذكرهم بما مضى من ألم وحزن؟ أم تُراك تحمل لهم في طياتك الجديد؟ إنها ثورتك الموءودة المطعونة من كل اتجاه، وجهها مبتور، وظهرها مكسور، وقلبها على كل أبنائها يتفطر.

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/29 الساعة 08:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/29 الساعة 08:26 بتوقيت غرينتش

تمر الآن الذكرى السادسة للثورة المصرية المجيدة، حين تحدث الشباب المصري بما في نفسه ونفس مصر من ضيق وألم وحسرة على حال مصر، قلب الأمة الإسلامية والعربية.. صرخ الشباب يومها: الشعب -كل الشعب- يريد إسقاط النظام المستبد.. الشعب يريد الحرية التي حرم منها طوال عقود من الزمن، توالى فيها جنرالات مصر على الحكم، من جمال عبد الناصر حتى مبارك، ومروراً بالسادات.. انتفض الشباب يريد استرجاع كرامة مسلوبة، وخيرات بلاد منهوبة، ولا يتحقق كل ذلك إلا بالعدالة الاجتماعية والمساواة بين كافة فئات الشعب المصري.

امتلأت الميادين يومها بالشعارات التي كان يوحدها شعار واحد "مصر أولاً" قبل كل شيء، من كل مكان ومنطقة وشارع هج المصريون إلى ميدان التحرير يريدون لمصر خلاصاً مما هي فيه، فكان لهم بعض ما أرادوا، مبارك يتنحى، والعسكر يتسلم السلطة، ويبدأ برسم الخطة، إنه مشروع الالتفاف على ثورة يناير، انتخابات رئاسية وبرلمانية، وأول رئيس مدني لمصر، ما أسهل الانقلاب عليه بعد ما هزت المؤامرات كرسيه حتى وصلت لقصر الاتحادية.

ما هو إلا عام من عسل الثورة حتى حوّل وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي عسل الثورة وجنتها إلى علقم وجحيم، وأعلن الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب، وقضى على أجمل ما أخرجت الثورة الديمقراطية الوليدة، ثم أتبع ذلك بمجازر يعجز الكلام عن وصفها حصدت آلاف الأرواح من شباب مصر الثائر، ولا تزال تحصد إلى يومنا هذا.

وصل الجنرال العازف على جثث الشهداء المتمرد على كل روح وطنية إلى كرسي مصر الذي ابتغاه، غير مكترث بشيء، فهو لا يرى إلا نفسه الأمارة بالسوء، وليته على الأقل تذكر مصر قليلاً، لقد أورثها المهالك، فعاشت على يديه أسوأ السنين في تاريخها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وحول الرئاسة في مصر إلى نكتة ينتظرها المشاهدون كما ينتظرون حلقات الكوميديا الساخرة؛ ليضحكوا قليلاً على حال الرجل، ويبكوا كثيراً على حال مصر وثورتها المجيدة التي وُئدت في عامها الثالث على يد من كان يفترض به حمايتها جيش مصر.

الآن تمر الذكرى السادسة لثورة يناير، ولم يتحقق أي شيء، بل زادت المعاناة لدى المصريين.. وضع اقتصادي مزر، وزيادة في الأسعار مع زيادة أعداد السجون وأكبرها الوطن الذي حوله الجنرال الرئيس إلى سجن كبير، يهرب منه الشباب المصري، ويختارون الأمواج فهي أرحم بهم، وتلك أحداث مركب الرشيد باقية في الأذهان، وأما من تبقى من شباب الثورة فهو بين التعذيب والتصفية والإعاقة، أو الهجرة خارج مصر الحبيبة، ولأجل لا يعلمه إلا الله.. إنها مصر تتحدث عن نفسها، ولسان حالها يقول: رحم الله كل الطغاة ما أعدلهم لو قارناهم بالسيسي وحكمه!

يناير بأي وجه عُدتَ للمصريين؟ هل لتذكرهم بما مضى من ألم وحزن؟ أم تُراك تحمل لهم في طياتك الجديد؟
إنها ثورتك الموءودة المطعونة من كل اتجاه، وجهها مبتور، وظهرها مكسور، وقلبها على كل أبنائها يتفطر.
سل شوارع القاهرة عن الثوار أين رحلوا؟ وامضِ إلى إسكندرية وبورسعيد وسوهاج والسويس وسلهم ما فعل بثورتهم المجيدة؟ واذكر سيناء فلديها كل الأجوبة والتوصيف الدقيق للحالة التي تمر بها الثورة المصرية الموءودة.

لم يبقَ منها إلا الذكريات المحزنة والأوجاع المؤلمة وسجون الحرية المبكية، التي أولها الوطن وآخرها الوطن.. لم يكن لها ذنب سوى أن أرادت أن تعود مصر كما كانت قائدة ورائدة، وأن تصبح مصر لكل المصريين لا لمماليك العصر الجديد العسكريين.. إنها مقتولة وحالها قاتلة، ولعل الله أن يقتص لها ولشبابها ولمصرها.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد