وصفه وزير الخارجية الفرنسي الأسبق ميشيل جوبير بـ"المنذر بآلام العالم"، واعترف له المفكر الأميركي صامويل هنتنغتون ضمن مؤلفه صراع الحضارات بمرجعيته وأسبقيته في طرح مفهوم صراع الحضارات، وأن اللبنات الأساسية لبناء الأطروحة تعود له، أجل بدون شك، إنه المفكر وعالم المستقبليات المغربي الراحل المهدي المنجرة.
في 13 من شهر مارس/آذار سنة 1933 شهدت مدينة الرباط، عاصمة المغرب، ولادة أحد أكبر المراجع العربية والعالمية في القضايا السياسية والعلاقات الدولية والدراسات المستقبلية؛ إذ كان المهدي المنجرة أستاذاً محاضراً وباحثاً بمركز الدراسات التابعة للندن، كما شغل باليونسكو مناصب قيادية عديدة.
فكرياً، اختلفت أطروحات المهدي المنجرة عن أطروحات باقي المفكرين المغاربة، وذلك راجع بالأساس لتلقيه تكويناً أنجلوساكسونياً، عكس باقي المفكرين والنخبة الحاكمة الذين كان أغلبهم خريجي مدارس فرانكفونية، فقد تميز المنجرة السوسيولوجي الباحث باختلاف أدوات اشتغاله متمكناً بذلك من ابتكار مفاهيم جديدة مثل "الاستعمار الجديد" و"الميغا-إمبريالية"، مسخّراً جل كتاباته ضد جشع النيوليبرالية الإمبريالية الجديدة المتوحشة؛ إذ دافع المهدي المنجرة تنظيراً وتطبيقاً عن حقوق العالم الثالث في التنمية المستقلة، كما كتب عن نظام دولي يضمن كرامة كل الشعوب.
إن من بين أبرز المفاهيم التي أخرجها المهدي المنجرة إلى الوجود كان مفهوم "صراع الحضارات"، مؤكداً في الكثير من المناسبات أن تطرقه لنظرية كبيرة كهذه كان الهدف منه ترسيخ قيم العدالة الإنسانية وتفادي الكوارث اللاإنسانية بنبذ الكراهية والتحريض، فلتتمكن دول العالم الثالث من تحقيق النهضة والتطور حسب المهدي المنجرة، وجب عليها أن تهتم بثقافاتها وبمنظومة قيمها، فأزمة الجنوب -على حد قوله- هي أزمة قيم وليست أزمة اقتصادية أو سياسية، مضيفاً أنه على هذه الدول أن تؤمن بمركزية الإنسان ومحورية التعليم، وأن تعطي قيمة للمعرفة والبحث العلمي واللغة الأم، حتى تتمكن من تحقيق النهضة وتأسيس الحضارة، مستشهداً على ذلك بالتجربة اليابانية الرائدة.
بالإضافة إلى هذه الأفكار، قام المنجرة بطرح أفكار أخرى، كضرورة حفظ الذاكرة الاجتماعية للبلاد، ودمقرطة الدولة ومؤسساتها، كما اعتبر الحرية شرطاً مهماً لتأسيس الحضارة، فالنهضة الحضارية تبدأ بالرؤية والحلم ولا حلم بدون حرية، كما دافع المهدي المنجرة عن الاستقلالية من منظورَين؛ المنظور الأول تحدث فيه عن استقلالية المثقف عن السلطة، أما المنظور الثاني فكان استقلالية القرار الوطني عن كل مؤسسات الهيمنة نقدية كانت أم سياسية.
هذا وقد عمل المثقف الشجاع على كتابة مجموعة كبيرة من الكتب الفكرية طوال مساره، ومن أهم هذه الكتب نجد على سبيل المثال "قيمة القيم"، و"الحرب الحضارية الأولى"، و"عولمة العولمة"، و"الإهانة في عهد الميغا-إمبريالية" وغيرها من الكتب الفكرية التي تركها للمغاربة والعرب إرثاً وسبيلاً للنهضة والرقي.
توفي المهدي المنجرة في 13 من يونيو/حزيران سنة 2014، تاركا وراءه أسفاً لعدم الاستفادة من فكره في الوقت الذي استفادت منه بلدان تفوقنا تقدماً في كل المجالات، وهو الذي كانت محاضراته في المغرب في كثير من الأحيان تلقى المنع والعرقلة لمجرد أنه لا يقول سوى الحقيقة، ويشرحها حول وضع المغرب الاقتصادي والثقافي والسياسي والمجتمعي، ويركز على قيمة المعرفة والقيم والذاكرة للنهوض الحضاري.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.