سقوط الأندلس

ستعود الأندلس وستعود حتماً حلب وغيرها من المدن والدول الكبيرة لعروبتها فقط عندما ندرك أن مجدنا الضائع هو أملنا المستقبلي، هو أمل أطفالنا وحُبهم، هو رغبتنا وشغفهم، هو أيدينا وأرجلهم، ستعود فقط عندما نكون جسداً واحداً، يداً واحدة لا تعلق بألسنة الغير، ولا ترى إلا حصاد نفسها فقط.

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/09 الساعة 03:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/09 الساعة 03:52 بتوقيت غرينتش

في مثل هذا اليوم من كُل عام تطلّ علينا ذكرى سقوط الأندلس، الأمر الذي يُشعل مواقع التواصل الاجتماعي ما إن كتب أحدهم "حالة" عنها، لكن أغلب المغردّين يبكون على أطلالها بمجرد نقلهم المعلومة فقط، أما من يعرف الأندلس حق المعرفة فعلاً لن يبكي بل سينفجر.

الأندلس هي ما يسمى بالجزيرة الأيبيرية، وهي حالياً تعرف بدولة إسبانيا والبرتغال، والأندلس هي كلمة مُحرفة من "وندلس"؛ حيث اعتاد العرب قديماً على إبدال حرف "الواو" بالألف، والأندلس لدى العرب القدامى هم "الوندال"، وهم شعب نزحوا من ألمانيا وبولندا حالياً إلى الجزيرة الأيبيرية، أو ما يعرف بإسبانيا والبرتغال؛ حيث أقامت فيها هذه القبائل مدة من الزمن.

في قديم الزمان، وفي العهد الإسلامي، استطاعت الأندلس أن تكون رمز الحضارة؛ حيث اشتهرت بجميع المجالات الحياتية الحساسّة التي تشكل رونقاً لأي أمة فاشتهر أطباؤها ومهندسوها وعلماؤها وشعراؤها وحتى فنونها، لقد كانت مهداً لجميع العالم، ومركزاً علمياً يحظون بهِ بنهل العلم ونقلهِ إلى حضاراتهم وتطبيق هذا المنهج المُبدع لديهم، في حين كانت الدول الغربية واقعة في ظلام الجهل، كانت الأندلس تشع نوراً من العلم وتنافس أعلى الحضارات التي أصبحت اليوم تقود العالم، ولكن هذه القوة وهذا النور لم يكتمل، فما أن ضعفت الدولة الأموية حتى بدأت الأندلس تضعف وانسحب معها هذا الحلم الكبير الذي لطالما رآه العرب فيها وفي مجدها، كانت السقطة، سقطة الأندلس مدوية، قسمت في بداية الأمر إلى دويلات صغيرة، ومن ثم زادت الأطماع الأوروبية عليها، كان في زمنها رجل قوي يغار على الأندلس حاول أن يضع حداً لتلك الأطماع هو "يوسف بن تاشفين"، وخاض عدة معارك، وكأن الأندلس كانت خاصَّته وحده، دولته الصغيرة التي يراها كبيرة بعد فترةٍ من الزمن، التي ستكون مجد الحضارات الغربية رُغماً عن تلك الأطماع، لكنّ لا شيء يستطيع إتمام الناقص في هذا العالم ما لم تكن هناك يدٌ عظمى تساعد، في النهاية، يدٌ لوحدها لا تصفق أبداً، فسقطت الأندلس بشكل نهائي بعد محاولات كثيرة بأن لا تسقط، أن لا تُترك يدها على يد فرناندو الثاني في عام 1492 ميلادي؛ لنرى من خلال تلك الحكاية أنفسنا التي تبتهج في بداية أمرٍ تُريده، تتوقف، تزداد رغبة، تسقط لأول مرة، نمسك يدها، تسقط مرة أخرى، نترك أصابعها ومن ثم تسقُط دون رجعة.

لم يكتفِ الأمر بسقوطها فحسب، بل تعرّض الأندلسيون بعد سقوطها إلى تعذيبٍ شديد بوسائل كثيرة، أهمها الحرق، كما استخدموا أساليب تعذيب أخرى مثل تقطيع الأيادي، النزف، وكانت أقسى الوسائل وأبشعها؛ حيث كانوا يحصرون لسان الضحية بين اثنين من لوحات الحديد الساخن؛ حيث إن اللسان المحروق يعيق النطق وتتحول تعابيره إلى صرخاتٍ مكتوبة، وكانت هذه الوسيلة لتسلية الجمهور والشعوب التي استولت على الأندلس.

تذكِّرني قصة سقوط الأندلس بما يحدث اليوم في عالمنا العربي، من تشريدٍ وتعذيب ودمار، بما يحدث في فلسطين منذ زمنٍ طويل، وما يحدث اليوم على وجه التحديد في سوريا من طرقٍ تعذيبية لكل من النساء، والأطفال، والهجرة قسراً، الهجرة طوعاً لكن ما يختلف بينهما أن القوى الحاكمة ذات المصلحة العليا هي قوى عربية بغض النظر عن التأثير الروسي هُنا، تذكّرني قصة سقوط الأندلس بسقوط حلب قبل أيام، لكنني متأكدة بأن حلب لن تسقط ما دام أطفالها رجالاً، لا يخافون شيئاً، ولن يخافوه مهما مضت عليهم السنون، ستعود الأندلس وستعود حتماً حلب وغيرها من المدن والدول الكبيرة لعروبتها فقط عندما ندرك أن مجدنا الضائع هو أملنا المستقبلي، هو أمل أطفالنا وحُبهم، هو رغبتنا وشغفهم، هو أيدينا وأرجلهم، ستعود فقط عندما نكون جسداً واحداً، يداً واحدة لا تعلق بألسنة الغير، ولا ترى إلا حصاد نفسها فقط.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد