المغرب.. ديمقراطية مع وقف التنفيذ

أثار طلب الملك من بنكيران تشكيل حكومة في أقرب الآجال تساؤلات مجموعة من المتابعين؛ لأن الأصل أن يوجه مستشاريه للقاء المسؤولين عن البلوكاج وتعثر المفاوضات، وليس الضغط على بنكيران لذلك، باستحضار غرابة شروط عزيز أخنوش للدخول في الحكومة المقبلة ومنها إبعاد حزب الاستقلال، الشرط الذي ما فتئ رئيس الحكومة يرفضه، في انتظار ما ستسفر عنه الأيام القليلة المقبلة، في مفاوضات يصعب التكهن بنتائجها.

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/08 الساعة 01:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/08 الساعة 01:40 بتوقيت غرينتش

انقضت الولاية الأولى لحكومة بنكيران في ظروف صعبة وحرجة، اجتمع فيها ضغط المطالب الاجتماعية وأزمة الواقع السياسي بحكم طبيعة الأحزاب السياسية، مع تكالب الدولة العميقة التي أقامت كل العراقيل لإرباك حكومته، وهو ما نجحت فيه نسبياً لتبقى حصيلة الحكومة إجمالاً إيجابية.

لقد تسلَّم بنكيران مفاتيح الحكومة المغربية وسط توقعات بإعادة سيناريو الأزمة اليونانية بالمغرب، مع ما يعنيه ذلك من حدوث أزمة اقتصادية حقيقية وتهديد للسلم الاجتماعي للبلاد، وللحيلولة دون حصول ذلك لجأت الحكومة إلى مجموعة من القرارات وصفت أحياناً باللاشعبية وتضر بالمواطن البسيط، لكن لإنقاذ البلاد تحتم على الحكومة القيام بها، واضعة شعبية حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة على المحك، لكن انتخابات السابع من أكتوبر/تشرين الأول أثبتث العكس؛ حيث ظل الحزب محتفظاً بكتلته الانتخابية بل زاد عليها.

انعقدت انتخابات 7 أكتوبر وسط تخوف البعض من انقلاب السلطة السياسية على إرادة الناخبين، وخصوصاً لما أظهرت "الداخلية" انحيازها التام تجاه حزب سياسي أسسه أحد مستشاري الملك، ولحسن الحظ لم يؤثر ذلك كثيراً على العملية الانتخابية؛ ليبقى الدرس المستفاد من هذه المحطة الانتخابية هو الرغبة الشعبية في تحصين مكسب الديمقراطية الذي كان لحركة 20 فبراير الفضل في إيقاد شرارتها، وأن المخزن لم يغير بعد من أسلوب لعبه.

مثل فشل الأصالة والمعاصرة (البام) بالفوز بصدارة الانتخابات التشريعية الأخيرة إعلاناً عن موته، فلم ينفعه كل ما أعطي له من مال وسلطة ودعم وزارة الداخلية، وبالتالي في المقابل ميلاد أو بالأحرى بعث كيان جديد يستطيع الدفاع عن مصالح القصر وإتمام مهمة "البام"، هذا الكيان الجديد هذه المرة لم يكن غريباً عن الساحة السياسية -عكس إلياس العماري زعيم حزب الأصالة والمعاصرة من قبل كان شخصية جديدة على الساحة السياسية ما جعله يتمتع بقليل من الطهرانية- فهو الملياردير عزيز أخنوش ثاني أغنى رجل بالمغرب.

تحول أخنوش في ظرف وجيز جداً من تكنوقراط إلى أمين عام حزب التجمع الوطني للأحرار، إلى مفاوض باسم أربعة أحزاب سياسية، الأمر الذي تسبب فيما اصطلح عليه بـ"البلوكاج الحكومي" فلا تزال المفاوضات الحكومية بعد أكثر من شهرين من انتخابات 7 أكتوبر مستمرة أو بالأحرى عالقة، وذلك لأن رجل الأعمال والملياردير أراد تقمص دور السياسي في الواجهة، لكن في العمق هو دفاع عن مصالح القصر ومن يحوم في فلكها من رجال الأعمال والسلطة.

أثار طلب الملك من بنكيران تشكيل حكومة في أقرب الآجال تساؤلات مجموعة من المتابعين؛ لأن الأصل أن يوجه مستشاريه للقاء المسؤولين عن البلوكاج وتعثر المفاوضات، وليس الضغط على بنكيران لذلك، باستحضار غرابة شروط عزيز أخنوش للدخول في الحكومة المقبلة ومنها إبعاد حزب الاستقلال، الشرط الذي ما فتئ رئيس الحكومة يرفضه، في انتظار ما ستسفر عنه الأيام القليلة المقبلة، في مفاوضات يصعب التكهن بنتائجها.

بالمجمل فإن النظام السياسي المغربي بحكم التجربة التاريخية الطويلة التي راكمها لا يزال محافظاً على مسلكية مطردة في سلوكه السياسي، بغية الحفاظ على دوره في التحكم بالمشهد السياسي، لا يزال يشتغل بنفس الاستراتيجيات والأهداف، لكن بأدوات متغيرة، وعليه فسواء كان أخنوش في الحكومة المقبلة أو لم يكن، فإن ذلك لا يعني أن بنكيران سيجد الطرق سالكة للعمل، بل ستعترض طريقه إكراهات لن تكون أسهل وأخف مما تعرض له في الولاية الحكومية الأولى.

أسابيع فقط تفصلنا عن الذكرى السادسة لحركة 20 فبراير، رغم السنين الست التي مرَّت على ميلادها، فلا يزال مطلب فصل السلط كأحد مطالب هذه الحركة يحتاج لمن يصدح به في شوارع البلاد، وفي المسيرات الحاشدة، فالحاجة ملحَّة إلى عزل السلطة النفوذية عن السلطة التنفيذية، تحديد مهام وصلاحيات مستشاري الملك، والديوان الملكي، وذلك من أجل ممارسة ديمقراطية حقيقية.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد