التجربة الدنماركية.. كيف فعلتها كوبنهاغن لتستغني عن النفط!

مشكلة الطاقة المتجددة الرئيسية هي في المبلغ الأساسي الذي يدفع لإنشائها أول مرة، فتوربين الهواء الواحد يغطي كامل نفقة بنائه وتركيبه أول مرة بعد 8 سنوات، لتصل إلى فاتورة صفرية بعد ذلك، لكن ليس جميع المزارعين مستعدين لدخول هذا النوع من التحدي والمغامرة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/24 الساعة 03:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/24 الساعة 03:58 بتوقيت غرينتش

على قائمة أهداف الدنمارك لعام 2050، تبدو الصورة واضحة لصانع القرار، 100٪ طاقة من مصادر متجددة، لن نعتمد أبداً على الطاقة القادمة من أي مصادر لها علاقة بالنفط أو الفحم أو الغاز. لكن الطريق إلى ذلك لا يبدو سهلاً في بلد يعيش فيه نحو خمسة ملايين ونصف المليون إنسان.

هذا التحدي سيجعل الدنمارك البلد الأول في العالم التي تعتمد على الطاقة المتجددة بشكل كامل، متجاوزة في ذلك كل التجارب السابقة. حيث تقتضي الخطة 100٪ مصادر طاقة متجددة حتى في وسائل النقل الخاصة بالدولة. ما يعني امتلاك قرار حر فيما يتعلق بالطاقة وعدم التقيد بأي بلد آخر.

على بعد 9 أميال وسط البحر، تكمن جزيرة سامسو، إحدى أهم الجزر الدنماركية و محط أنظار العالم؛ لما تتمتع به في الوقت الراهن من امتيازات حكومية لتكون رأس حربة في مجال التحول الكامل إلى الطاقة البديلة، بدلاً من الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية.

الجزيرة المأهولة بعدد سكان لا يتجاوز الأربعة آلاف نسمة، والمعتمدة بشكل رئيسي على الزراعة تشهد اليوم تجربة مهمة لتحويلها جزيرة تعتمد بشكل كامل على الطاقة البديلة، دون الاعتماد على أي مصدر آخر من مصادر الطاقة المعتمدة على الوقود الأحفوري. لكن هذه المهمة ليست وليدة اللحظة، هي نتاج عمل طويل بدأ منذ أواخر عام 1990م.

حتى تصل سامسو إلى هذه النتيجة كان لا بد لها أن تنفق مبالغ ضخمة؛ بل ربما ضخمة جداً لإنشاء نظام متكامل يقوم على توليد الطاقة من مصادر مختلفة، بدلاً من مصادرها التقليدية، حيث كانت تكلفة التغير على جزيرة سامسو نحو 80 مليون دولار دفعت على مدار عقد ونصف العقد من الزمان.

مصدر الطاقة الأكبر على الجزيرة هو توربينات الرياح، والتي تمتلك الجزيرة منها 21 توربيناً، 11 منها على الجزيرة و10 منها في المياه القريبة من الجزيرة، لكنها موصولة بشبكة الكهرباء الرئيسية للجزيرة، لتعمل جنباً إلى جنب مع الطاقة الشمسية لتغذية الجزيرة بشكل كامل بالكهرباء.

تنتج الجزيرة الآن طاقة أكثر بكثير من احتياجها، فباتت تبيعها للدولة لتحصل على ما يكفي من أموال لصيانة وتحسين البنى التحتية الخاصة بالطاقة (ما تجاوز 3 ملايين دولار السنة الماضية)، هذه المبالغ توفر ما يكفي من مال لتوسيع البنى التحتية وتطويرها.

بعض النظريات تقول إن توربينات الهواء لا تنتج طاقة تكفي لتغطية تكلفة بنائها منذ البداية، وهذه نظرية خاطئة، على الأقل في بلد مثل الدنمارك، حيث استطاعت الجزيرة أن تنتج طاقة أكثر من احتياجها تصدرها إلى الدولة وذلك بالاعتماد المباشر على طاقة الرياح، المصدر الرئيسي للطاقة هناك.

في بلد بارد مثل الدنمارك، دائماً ما تعتبر التدفئة مهمة صعبة، لكن قرار التخلي عن الوقود الأحفوري لا سبيل للتراجع عنه، فالتدفئة هنا تعتمد على مصدر آخر للطاقة، حيث تقوم البلدية بحرق الروث و الأخشاب الناتجة عن تقليم الأشجار وغير ذلك من المواد غير المرغوب فيها، والتي تستخدم لغلي المياه وضخها إلى المنازل للحصول على مياه دافئة للاستحمام والتدفئة على مدار اليوم.

لكن بلدية سامسو تتحدث عن تحدٍّ من نوع آخر، فالتحدي لم يكن أبداً بسبب نقص التمويل، أو بسبب السياسات العامة للدولة، ولا في كيفية الحصول على التكنولوجيا المناسبة، ولكن التحدي الأكبر كان عبر إقناع الناس بجدوى استخدام هذه التقنيات للحد من التلوث وتوفير المال، فلا فائدة من أن تخبر سكان المدينة بأنهم سيوفرون مبلغاً من المال إن هم دفعوا مبالغ كبيرة في وقت مبكر، كأن تخبرهم بأنه لن يكون لزاماً عليهم أن يدفعوا فاتورة كهرباء إن هم دفعوا مبلغاً كبيراً نسبياً بالنسبة لمزارعين للحصول على ألواح للطاقة الشمسية لبيوتهم. لكن، يبدو أن بلدية الجزيرة نجحت في ذلك بعد عقد ونصف العقد من الزمن.

مشكلة الطاقة المتجددة الرئيسية هي في المبلغ الأساسي الذي يدفع لإنشائها أول مرة، فتوربين الهواء الواحد يغطي كامل نفقة بنائه وتركيبه أول مرة بعد 8 سنوات، لتصل إلى فاتورة صفرية بعد ذلك، لكن ليس جميع المزارعين مستعدين لدخول هذا النوع من التحدي والمغامرة.

هذه الخطة كانت الدنمارك قد اعتمدتها قبل 40 عاماً تقريباً، حينها لم تكن مشكلة الاحتباس الحراري بتلك القوة، لكن الذي دفع الدنمارك لهذه الخطوة كان وعي الحكومة أن 99٪ مصادر الطاقة لديها يأتي من الشرق الأوسط، ما يضعها أمام خيارات صعبة في حال حدوث أي نوع من الخلاف مع الدول العربية.

امتلاك الاستقلال في مجال الطاقة هو ما دفع الحكومة الدنماركية لاستغلال شواطئها المؤهلة لاستضافة توربينات الهواء والاستفادة منها، و هو ما يشغل بال أوروبا التي تسعى لسد احتياجها من الطاقة لتقليل اعتمادها على الدول المصدرة للنفط والغاز التي تضغط على أوروبا في الكثير من الجوانب الاقتصادية والسياسية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد