حديث الثورة والمعارضة والبديل

على وقع المجازر المروِّعة التي تحصل على مدار الساعة بحق السوريين والتدمير الممنهج لمدنهم وبلداتهم وقراهم، وإزاء تبدلات واضحة لميزان القوى العسكري لمصلحة محور نظام الأسد والعدوَّين الروسي والإيراني وعصابات الميليشيات المذهبية

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/13 الساعة 02:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/13 الساعة 02:06 بتوقيت غرينتش

على وقع المجازر المروِّعة التي تحصل على مدار الساعة بحق السوريين والتدمير الممنهج لمدنهم وبلداتهم وقراهم، وإزاء تبدلات واضحة لميزان القوى العسكري لمصلحة محور نظام الأسد والعدوَّين الروسي والإيراني وعصابات الميليشيات المذهبية، وأمام النكسات العسكرية المتلاحقة للقوى والفصائل المحسوبة على الثورة في ريف دمشق وحمص وحماة وحلب وريفها والإخفاق المدوي للائتلاف وسائر المسميات المعارضة، وما أصاب العامل الخارجي من وهن ورضوخ (أصدقاء الشعب السوري!) في الجوار والنظام العربي الرسمي للأمر الواقع، وتجرع كأس الهزيمة أمام موسكو وطهران، نقول في ظل كل هذه الوقائع المحبطة لآمال السوريين وفي هذه الأجواء التي تثبط العزائم من الطبيعي أن تتنادى النخب الوطنية الفكرية والسياسية والثقافية للوقوف بجدية ومسؤولية أمام راهنية الواقع المؤلم، والبحث عن سبل الإنقاذ، ومواجهة تحديات المستقبل.

ومن أولويات شروط مواجهة التحديات بنجاح في مثل حالتنا السورية المشخصة كما أرى:

أولاً: العودة إلى الجذور الأصيلة والاستراتيجية الثابتة التي انطلقت منها الانتفاضة الثورية منذ البدايات، وهي إرادة الخلاص من الاستبداد بإسقاطه، وانتزاع الحرية والكرامة، والمضي في عملية التغيير الديمقراطي وصولاً إلى سوريا المنشودة التعددية الديمقراطية التشاركية لكل مكوناتها القومية والدينية والمذهبية والاجتماعية، وإلى جانب التسليم بالطابع المركب للمجتمع السوري وليس البسيط الذي نفته أنظمة وحكومات الاستبداد عبر الإقصاء والتغييب والإنكار، واعتماد مبدأ (واحد واحد الشعب السوري واحد) الذي التزمت به جموع المنتفضين والحراك الشبابي في كل المناطق السورية على قاعدة (الاتحاد في إطار التنوع)، وتمتع الجميع بالحقوق المتساوية القومية منها والاجتماعية، بما في ذلك قبول إرادة الكرد كقومية ثانية في تقرير مصيره السياسي والإداري، واحترام هويات الأقوام الأخرى ضمن حدود الوطن الواحد والعيش المشترك في ظل الدستور الضامن والقوانين النافذة، ولا حاجة إلى القول إن الثوابت أعلاه لا تنفي مختلف التكتيكات المرنة خلال الأداء السياسي وتقسيم العمل النضالي إلى مراحل وخطوات متلاحقة.

ثانياً: عدم الخلط -عن خطأ أو سابق إصرار- بين الثورة من جانب والمعارضة من الجانب الآخر، ففي الأول والبداية كانت الانتفاضة التي تحولت بعد اكتمال العوامل وأهمها التلاقح بين الحراك الوطني الثوري وتشكيلات الجيش الحر إلى الثورة، ومن ثم ظهرت المعارضة باسم الداخل والخارج وهي لم تنشأ في ظروف طبيعية، ولم تخرج من رحم الثورة، ولم تحصل على تخويلها، وبالتالي لم تمثلها فكراً وسياسة وخلقاً وأداء، وإذا اعتبرنا وبموضوعية أن الذين أشعلوا الانتفاضة سلمياً وبصورة عفوية هم الشباب عبر تنسيقياتهم، واحتضنتهم جماهير المدن والريف بل سارت من ورائهم وتبنت شعاراتهم في تظاهرات احتجاجية مليونية وبمئات الآلاف، ومن ثم اكتملت شروط الثورة كما ذكرنا بتلاحم هؤلاء مع طلائع العسكريين الملتحقين بصفوف الشعب، إلا أن تخلصت الأحزاب التقليدية من الصدمة التي لم تكن بوارد إشعال ثورة أصلاً لا في برامجها ولا في مخيلة مسؤوليها الذين توارثوا الفشل جيلاً بعد جيل، واستسلموا لنظام الاستبداد، نقول عمدت الأيديولوجية منها، وخصوصا الإسلامية إلى مصادرة الحراك والسيطرة على مفاصل العمل، مستغلة نقص تجربة الشباب ونزاهتهم وعوز الجيش الحر وتواطؤ أشخاص محسوبين على الفكر القومي واليسار واستثمار المال الخليجي والجغرافيا التركية وتبوأت مكانة لم تكن لها إلى درجة الادعاء بتمثيل الثورة التي تتناقض مبادئها مع توجهاتها الحزبية الإسلامية السياسية، فكانت الضربة الأولى لكيان الثورة في الصميم، والهدية الأثمن لنظام الأسد، والسبب الأبرز في التراجع والتمهيد لصعود موجة الثورة المضادة على كافة الأصعدة.

ثالثاً: بدأنا نتابع في الآونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي موجة تلو أخرى من مسميات (تجمعات – لجان – هيئات – مجالس.. إلخ) أو مقالات منشورة يحمل بعضها أسماء نافذين ومسؤولين بالائتلاف، وسابقاً المجلس السوري، وبحسب متابعتي لاحظت التشابه بين مضامين معظم الأطروحات، وخصوصاً في تجاهل الثورة وأهدافها ومسلماتها وثوابتها وتراثها واعتبار المعارضة ممثلة عن الثورة ولو بصورة غير مباشرة والتركيز الأساسي على مهمة إصلاح "الائتلاف" من الداخل وليس تغييره، وكما ظهر لي هناك بين هؤلاء هواة تصدر البيانات الرنانة بالرغم من تورطهم في تنصيب الأسوأ على رأس الائتلاف وتلاعبهم بتيارات كانت راغبة في التغيير، وإجهاضهم للعديد من محاولات الإنقاذ، وبينهم من يعمل على تنفيس الاحتقانات وقطع الطريق على المشاريع الجذرية عبر المقالات المتلاعبة بالمصطلحات والعناوين، كما أن هناك -وهم كثر- من يرغب في الحلول محل الطواقم الدائمة في مؤسسات الائتلاف للاغتناء أسوة بمن تحولوا إلى مليونيرات وحصلوا على امتيازات وجنسيات واستثمارات من المسؤولين والنافذين وأمراء الأحزاب القومية والجماعات الإسلامية.

إن الطريق إلى إنقاذ الثورة وحل الأزمة الوطنية وعدم الاستسلام هو الاعتراف بحقائق موضوعية على الأرض، أولاها حصول انتكاسة عميقة للثورة، وثانيها مسؤولية المعارضة التي زعمت -التمثيل الشرعي الوحيد- وأقصد هنا (المجلس والائتلاف) عن كل الإخفاقات، وثالثها تخاذل النظام العربي الرسمي ومن كانوا أصدقاء! من قريب وبعيد وخصوصاً منهم الداعمين لأسباب مصلحية وسياسية وأيديولوجية، وبعد ذلك قيام البقية الباقية من تشكيلات الجيش الحر والثوار والحراك الوطني العام ونشطاء الشباب وحركات المجتمع المدني والكتلة المستقلة الوطنية من جميع مكونات الشعب السوري، بالتواصل والتنسيق من أجل التوصل إلى تشكيل لجنة تحضيرية معبرة عن التعددية المكوناتية والسياسية؛ لتقوم بمهمة عقد مؤتمر وطني سوري جامع لمراجعة الماضي وصياغة البرنامج السياسي، وانتخاب مجلس سياسي – عسكري للنهوض بالمشروع الوطني الديمقراطي، ومواجهة تحديات السلم والحرب، وإعادة بناء وهيكلة قوى الثورة من جديد، تحسباً للمراحل المقبلة، وبنَفَس طويل دون تسرع.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد