ألم أخبرك أن اشتياقك لجلساتنا المصحوبة بالقهوة الساخنة ستعيدك من جديد، أمطار لندن اليوم رائعة، رائحتها تعبق بروح لا أعرف اسمها لكنها تروقني، هذا هو الفنجان الأول ذكرني بذلك؛ لأننا ربما سنحتاج للمزيد.
قرأت تصريحاً منذ بضعة أيام لجنرال أميركي يقول إن العالم على وشك الدخول في حرب عالمية جديدة، وإن الأجواء الدولية مهيأة لذلك، هذه كلمات بإمكانها جذبك بعنف إلى الخلف؛ حيث تواريخ لم تشهدها حياً لكن التاريخ سجلها، في مثل تلك الأجواء تحديداً في 28 من يونيو/حزيران عام 1914 كان الأرشيدوق فرانس فريديناند، وريث الإمبراطورية النمساوية الهنجارية، وزوجته صوفي في زيارة لمدينة سراييفو في البوسنة، كان جافريليو برينسب في انتظارهما؛ حيث تم قتل الدوق وزوجته برصاصتين في الرأس أطلقتا من سلاح برينسب على رأسيهما فسقطا قتيلين في الحال، كان برينسب عضواً في منظمة تدعى اليد السوداء، وهي منظمة كانت تسعى لإنهاء الحكم النمساوي الهنجاري في البلقان.
في تلك الأثناء كانت النمسا قد أعلنت سيطرتها على الحكومة الصربية المسؤولة وطلبت الدعم من ألمانيا، سادت وقتها حالة من التخبطات الدبلوماسية تبع ذلك إعلان النمسا -هنجاريا الحرب على صربيا وفتحت النار على مدينة بلغراد في 28 يوليو/تموز، بعد يومين حشدت روسيا جنودها واستعدت للحرب وأجبرت فرنسا على دعم خططها العسكرية بسبب المعاهدة التي تجمعهما، انهار السلام في أوروبا بأكملها وفي خلال أيام كانت كل الدول الكبرى قد دخلت في حالة حرب.
في 13 أغسطس/آب لم تعر ألمانيا انتباهاً لاحتجاج بلجيكا أنها دولة محايدة وليست طرفاً في الحرب وعبرت أراضيها لقتال فرنسا، في خلال أيام تحالفت فرنسا وروسيا وإنكلترا وأعلنوا الحرب على ألمانيا والإمبراطورية النمساوية الهنجارية.
في ظل هذا كله كانت الولايات المتحدة في حالة ذعر ولم تبدي حراكاً أو رد فعل عسكرياً.
انتهت قهوتك لحظة واحدة حتى نأتي بغيرها، قبل أن تبدأ الحرب العالمية الثانية كانت هناك مقدمات بالطبع ولكنني سأختص المقدمات الألمانية؛ حيث كانت البدايات التي تسببت في احتراق العالم من جديد.
1919 حزب العمال القومي الاشتراكي الألماني الذي تبع الأيديولوجية النازية حتى 1945 وكان من المعروف عنه أنه من أحزاب أقصى اليمين، كانت بداية الحزب بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى وتوقيع معاهدة فيرساي، أسسه أنتن دريكسلر وكارل هاربر في 5 يناير/كانون الثاني 1919 وحمل وقتها اسم حزب العمال الألماني، وفي 1920 تم تغيير اسم الحزب، حسب اقتراح هتلر؛ ليصبح حزب العمال القومي الاشتراكي الألماني.
في 1923 انتزع هتلر زعامة الحزب، وانتهى نفوذ دريكسلر، فعمل هتلر على إعلاء نزعة سيطرة الجنس الآري (الألماني) على سائر الأجناس، وبدأ في تنفيذ ذلك.
في 1 سبتمبر/أيلول 1939 بدأ الألمان والروس هجوماً مشتركاً على بولندا فيما عرف بـ"حملة سبتمبر"، وتمكنوا من اجتياح بولندا بشكل كامل في 6 أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام، لم تتأخر بريطانيا في رد فعلها العسكري؛ حيث أعلنت الحرب على ألمانيا في 3 سبتمبر، وتبعتها فرنسا في 29 سبتمبر، في تلك الأثناء كانت ألمانيا وروسيا قد عقدتا اتفاقية تقضي بتقسيم بولندا ثلثين للألمان وثلثاً للروس، كان ذلك فتيل الحرب الأبشع في التاريخ الحديث.
شعرت وأنا أقلب صفحات التاريخ أن الحرب الثالثة لن تكون كسابقيها، بل ستكون مخيفة أكثر من اللازم، ربما ستكون هناك تمهيدات إلكترونية باختراق أنظمة الحاسب لدولة الخصم، ذلك ما سيصيبها بالشلل لوجيستياً وعسكرياً، فيكون ذلك التمهيد قبل نشوب المواجهة الفعلية، النزعات القومية ستكون واضحة جلية في الأمر، لا سيما ونحن نرى أن أكبر دولة في العالم يحكمها "ترامب"، من عساه يخبرنا عن جنرال يصنع هيروشيما وناجازاكي جديدة على نطاق أوسع.
الحربان الماضيتان قد كان منشأهما البوسنة وبولندا، لكن هل أخبرك أحدهم أن الحرب القادمة قد تنطلق من سوريا؟! هل شعرت أن إيران تبدو سعيدة جداً بعدما صارت السعودية بلا حليف عربي قوي، وقد عمل ملكها الراحل على دعم الطغاة العرب، مما جعل الحلفاء قصة من الماضي، حتى ذلك الحليف الغربي انقطعت الصلات معه بقانون جاستا وانهارت تماماً بوصول ترامب.
اعذرني يا صديقي.. لكن القصة هذه المرة أبعادها مخيفة، وقد نسمع عن قوميات قد سحقها قطار الحرب ونزعات على شأنها بعد القتال، هل تريد المزيد من القهوة؟!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.