أي مخرجات دستورية لمدخلات نتائج الانتخابات التشريعية المغربية؟

فهل سيعود الفصل 19 من جديد من بوابة مراجعة دستورية وبمباركة جميع الفاعلين السياسيين، ضماناً للاستقرار السياسي الذي يعد الوظيفة الضمنية للدساتير، وبذريعة تأويل مقاصد روح الدستور؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/06 الساعة 01:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/06 الساعة 01:08 بتوقيت غرينتش

كثر النقاش الدستوري والسياسي حول مآل الحكومة المغربية التي ستنتجها مفاوضات عبد الإله بنكيران، الرئيس المعين من طرف الملك، وفق مقتضيات الفصل 47 من دستور المملكة لسنة 2011، تلك المفاوضات التي لا تزال حبيسة تحليل منطوقه الذي ينص على أنه "يُعيّن الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدّر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها".

إن معالجة إشكال تعيين رئيس الحكومة من طرف الملك يجب أن تراعي أيضاً مقاصد المشرع الدستوري، التي يمكن أن نقف عليها من خلال استحضار روح الدستور وتحليل مقتضيات منطوقه، باعتبار أن هذا الأخير هو وحده غير مجزئ، وأي تحليل لأحكامه يجب أن يراعي وجود ما يصطلح عليه بـ"الكتلة الدستورية".

هناك إشكال محوري يمكن اعتباره مدخلاً مهماً في التحليل، ويتجلى في لماذا تمت صياغة أحكام المادة الأولى من الفصل 47 بصيغة تفتح المجال أمام التأويل، خاصة ما تعلق بالشق الأخير منها، "وعلى أساس نتائجها"؟، ولماذا لم ينص المشرع الدستوري صراحة على آجال زمنية لتشكيل الحكومة؟ ولا على بدائل تمنح للملك في حال فشل الرئيس المعين في تشكيل حكومة، على غرار التجارب المقارنة في هذا الصدد؟ كما أن المشرع الدستوري قيد تنصيب الحكومة بأحكام الفقرة الثالثة من المادة 88 من الدستور التي تنص على أنه "تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح البرنامج الحكومي".

لن نغفل في هذا الصدد الدور الذي يمكن أن تلعبه نظرياً هذه الفقرة في المساعدة على الخروج من مأزق تشكيل الحكومة، مثل ما حدث في التجربة الإسبانية التي أنتجت حكومة أقلية، لكننا في المقابل نقر بأنها لا تضمن بالضرورة الاستقرار السياسي ولا السير العادي للمؤسسات الدستورية، خاصة في ظل المشهد الحزبي المغربي الذي يختلف اختلافاً كبيراً عن نظيره الإسباني؛ لكون التجربة المغربية حديثة عهد بإشكاليات تعيين رئيس الحكومة بالنظر لنتائج الأغلبية البرلمانية، لكنها بالمقابل غنية بتجارب التوافقات بين الفاعلين السياسيين خارج حسابات اليمين واليسار وبعيداً عن ثوابت هذا التكتل أو ذاك.

يمكننا أن نعتمد في هذا الإطار على التحليل ببعديه الدستوري السياسي، بغية إيجاد تفسير لمقاصد المشرع الدستوري من إنتاج مواد تفتح المجال للتأويل والبحث عن تفسيرات خارج منطوق الدستور.

لقد أظهر مسار تشكيل حكومة الأغلبية في أول انتخابات تشريعية في ظل دستور 2011 بشكل جلي دور الملك كرئيس فعلي للسلطة التنفيذية وضامن لسير مؤسسات الدولة، وذلك من خلال تحليل طبيعة الأحزاب المتحالفة التي ضمن من خلالها حزب العدالة والتنمية تشكيل الحكومة في نسختيها وعلاقتها بالمؤسسة الملكية، وهي عوامل أسهمت في ضمان تنزيل سلس لأحكام الفصل 47، لا يعود لقدرة منطوق الفصل على تأطير إشكالية التعيين، بقدر ما يُعزى إلى التجربة المغربية في إنتاج التوافقات السياسية، وذلك اعتماداً على الإرادة الملكية الصريحة في دعم عملية تنزيل وتطبيق المقتضيات الدستورية الجديدة.

لكن السؤال الذي سيبقى مطروحاً هو ما هي الآلية التي يمكن أن يتدخل من خلالها الملك بصفته رئيساً للدولة وضامناً لسير المؤسسات الدستورية، في حالة ما أخذ مسافة متساوية من جميع الفاعلين، وعجز هؤلاء عن الوصول إلى توافقات وفق الخصوصية المغربية؟

يبدو أن معارضي الفصل 19 من دستور 1996 السابق، قد أصبحوا اليوم في حاجة ملحّة إلى مخرج دستوري بروح الفصل الذي لطالما اعتبروه معطلاً لمسار الانتقال الديمقراطي، وبالرجوع إلى ما يمكن أن نعتبره بديلاً للفصل المذكور في دستور 2011، نجد أن المشرع الدستوري قد أقر اختصاصات دينية للملك في إطار الفصل 41 كأمير للمؤمنين وحدد اختصاصات له بوصفه رئيساً للدولة نص عليها في الفصل 42 "الملك، رئيس الدولة، وممثلها الأسمى ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة.."، قد يظهر لنا إلى حدود نهاية هذه الفقرة أن المخرج الدستوري قد نجده داخل الفقرة الأولى من الفصل 42 من دستور 2011.

لكن الفقرتين الثالثة والرابعة من نفس الفصل ستعيدنا إلى نقطة الصفر، خاصة عندما نجد في الفقرة الثالثة أنه "يمارس الملك هذه المهام، بمقتضى ظهائر، من خلال السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور"، كما أن الفقرة الرابعة تلزم أن "توقع الظهائر بالعطف من قِبل رئيس الحكومة، ما عدا تلك المنصوص عليها في الفصول 41 و44 (الفقرة الثانية) و(الفقرتان الأولى والسادسة) و51 و57 و59 و130 (الفقرة الأولى والرابعة) و147".

ولا نجد أن أحكام الفصل 42 قد دخلت في دائرة الاستثناءات من توقيع رئيس الحكومة بالعطف، فمن هو رئيس الحكومة المخول ليوقع بالعطف على ظهائر ملكية في مسألة تعيين رئيس الحكومة؟

يبدو أننا قد نجد ضالتنا في الباب الثالث عشر المتعلق بمراجعة الدستور، فالفقرة الثانية من الفصل 172 تنص على أنه "للملك أن يعرض مباشرة على الاستفتاء، المشروع الذي اتخذ المبادرة بشأنه".

كما تنص الفقرة الثالثة من الفصل 174 من نفس الباب على أنه "للملك، بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية، أن يعرض بظهير، على البرلمان، مشروع مراجعة بعض مقتضيات الدستور".

وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الفصل قد تضمينه في إطار الفقرة الرابعة من الفصل 42 التي أوردت الظهائر الملكية المستثناة من شرط توقيع رئيس الحكومة عليها بالعطف.

إن تدخل الملك سيكون هو الفيصل في السيناريو الأنسب لخروج الحكومة الثانية في ظل دستور 2011 إلى حيز الوجود، سواء عبر تدخله اللامباشر في صناعة التوافق، أو من خلال أعمال صلاحياته في تعديل ومراجعة بعض مقتضيات الدستور، وللإشارة فإننا نغفل عمداً آلية حل البرلمان ليقيننا بأنه من الصعب في هذه الفترة وفي ظل فتوة الممارسة الديمقراطية بالمغرب، أن يتم حل البرلمان وإعادة الانتخابات، خاصة في ظل عدم ضمان إفرازها لأغلبية تضمن للحزب المتصدر تشكيل الحكومة وليست إكراهات التجربة الإسبانية عنا ببعيد.

يظهر لنا بجلاء كيف استطاع الغموض في صياغة دستور 2011 أن يعزز من مكانة المؤسسة الملكية داخل السلطة التنفيذية، وفي تعزيز دورها كضامن توازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

فهل سيعود الفصل 19 من جديد من بوابة مراجعة دستورية وبمباركة جميع الفاعلين السياسيين، ضماناً للاستقرار السياسي الذي يعد الوظيفة الضمنية للدساتير، وبذريعة تأويل مقاصد روح الدستور؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد