ساعة الغفلة.. “وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً”

ساعة الغفلة التي كنا نسمعها ونحن صغار، كنا نقتصرها على ساعة الموت المفاجئ فقط، ولكن كبرنا وأدركنا أن مداهمة الاحتلال لمنزلك في منتصف الليل هي ساعة غفلة أيضاً، أو اعتقال أحد أفراد العائلة شيء يقع ضمن تعريف ساعة الغفلة، وأن تظلّ مستيقظاً حتى الصباح تعيد ترتيب ما عاثه الجنود في بيتك خراباً مقيتاً هي لحظة غفلة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/01 الساعة 02:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/01 الساعة 02:24 بتوقيت غرينتش

كانت الظروف مواتية لتذكر كل ما حصل، لحظة يوم شديد البرودة، والرياح تأخذ منك أنفاسك وتعيد لكَ الغاز المتناثر من قنابل الغاز التي ألقاها الجنود تجاه منازل المواطنين، شيء ما بداخلك يخنقك، رغم أنك اعتدت هذا الحال منذ سنوات عجاف، يوقظك وغد من نومك لأمر تفتيش منزلك، ونادراً ما يسمح لأهل البيت بلملمة أفراد العائلة وإيقاظهم حتى لا يصيبهم الفزع من لحظة غير متوقعة.

نعم، فكل شيء في أوطاننا ليس متوقعاً، لحظة مداهمة منزلك لا تدركها إلا عندما ترى الجنود متمركزين في منتصف منزلك ومنتشرين في الغرف وفوق البنايات القريبة منك، لوهلة تشعر أنك شخص تُشكل خطراً على أمنهم، وبأي لحظة سيتم اعتقالك أو قتلك.

ساعة الغفلة التي كنا نسمعها ونحن صغار، كنا نقتصرها على ساعة الموت المفاجئ فقط، ولكن كبرنا وأدركنا أن مداهمة الاحتلال لمنزلك في منتصف الليل هي ساعة غفلة أيضاً، أو اعتقال أحد أفراد العائلة شيء يقع ضمن تعريف ساعة الغفلة، وأن تظلّ مستيقظاً حتى الصباح تعيد ترتيب ما عاثه الجنود في بيتك خراباً مقيتاً هي لحظة غفلة.

وأزيدكم علماً أن لحظة الغفلة باتت تتضمن "مصروفك الشخصي الذي تسأل نفسك كل ليلة إذا ما داهم الاحتلال منزلنا أتراه سيسرقه ويفبرك ألف قصة إعلامية ليبرر سرقته، رغم أنه لا يساوي في عداد أموال ما يصرف على الجيش العسكري الإسرائيلي شيئاً يُذكر".

منذ أيام وأنا أستيقظُ على صوت قنابل الصوت التي يُهيأ لك أنها تضرب أذنك تماماً، ورائحة الغاز التي تتسلل إلى المنازل من كل حاشية، كتسلل الأمل في نفسك بأن الثائر "المخيمجي" لا ينام الليل وسيهبّ ويقاوم، فلست آمناً وأنتَ في وطنك.

أجل.. منذ أربعة أيام يقتحم جيش الاحتلال مخيم الجلزون شمال رام الله، لإجراء تدريبات عسكرية، فيقتحم المنازل ويروع ساكنيها بالتفتيشات التي يقوم بها جنود يسوقون كلاباً بوليسية، تفهم بلغة "UP"، فتجدها تقفز عالياً وتنهش الملابس في خزانة مرتفعة، وعندما يقال لها "DAWN" تشعر بأن حالة هستيرية أصابتها، وهي تذهب يميناً ويساراً محطمة ما هو أمامها، في سبيل إرضاء أهواء "الكلب البشري" الذي يسوقها، جاهدة لتكشف عن رائحة سلاح أو ما شابه ذلك، وكل هذا يندرج تحت التدريبات العسكرية وليس المهمات العسكرية الجادة.

أيام متواصلة يقضي فيها أبناء مخيم الجلزون وآلاف الشبان في مختلف مناطق الضفة بما فيها القدس المحتلة، ساهرين يصدون اقتحامات الجيش، يهتفون بصيحات الأذان الذي يمرر الاحتلال مشروع قانونه لمنعه في القدس، يصابون بالرصاص المطاطي ويستنشقون الغاز السام، وتبكي عيونهم من الغاز المسيل للدموع، ومشهد يتوحد في البيوت، هو ترقب الأمهات الخائفات من ساعة الغفلة، بسماع نبأ فقد أحد أبنائهن شهيداً، أو أسير مواجهات سيتمنى لو أنه استشهد على أن يقع أسير قبضة جيش لا يرحم، ولا يعرف مبادئ الإنسانية.

انتبه، كفلسطيني لا تشتت مقتنياتك الخاصة، كل ليلة اهتم بها وضعها في مخبأ واحد، حتى إذا ما باغت الجيش منزلك، تبدأ تقرأ قربها "وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُم فَهُم لا يُبْصِرُونَ"، وعلى سيرة هذه الآية، حاول ألا تتمتم بها ويظهر عليك أثرها؛ لأن جيش الاحتلال يعلم أننا نتلوها، فإحدى المصادفات كانت عجوز داخل سيارة أجرة تمرّ على أحد حواجز الاحتلال، وعندما أوقف ضابط دورية الجيش المركبة بدأت تتمتم بها؛ لأن مجمل الركاب شباب عداها، فطرق الضابط الشباك من الناحية المواجهة لها، وقال لها: "سداً سداً.. آه" في إشارة منه إلى أنها تقرأ الآية؛ لتعمى أبصارهم وكي لا يعتقلوا شاباً.

أعلم أيها القارئ أنك ستضحك على هذا الموقف، كما ضحكت أنا عند سماعه، ولكن احذر، فالاحتلال استطاع أن يُبقي سيطرته علينا؛ لأنه تعلّم وما زال يتعلم مفاهيم مجتمعنا ومكوناتنا، فيما نجهل نحن ميزانية وزارة جيشهم السنوية التي تبلغ أكثر من 90 مليار دولار، وما بين علمهم بنا وجهلنا بهم احتلال متواصل منذ عشرات السنوات.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد