استيقظ العالم على كابوس نتائج الانتخابات الأميركية بفوز ترامب بمنصب الرئيس 45 للولايات المتحدة الأميركية، هذا الحدث يعتبر رجة عالمية على المستوى السياسي، خصوصاً أن الكل كان يعتقد، بل يجزم ويراهن على أن الفوز سيكون في صالح هيلاري كلينتون، فكل المعطيات كانت تشير إلى ذلك، كاستطلاعات الرأي ومراكز الأبحاث وغيرها التي كانت كلها تمنح تقدماً ملموساً ومريحاً لكلينتون، لكن النتيجة جاءت مخالفة لما كان متوقعاً.
فوز ترامب يحمل الكثير من المؤشرات والدلالات التي يمكن استنتاجها: أولها سقطة مدوية لمراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية الأميركية التي كانت دائماً تعطي تقدماً مريحاً وفوزاً سهلاً في متناول كلينتون، لكن النتيجة جاءت مخالفة لكل هذه التوقعات، وبالتالي أصبح من الصعب تصديق استطلاعات الرأي التي لطالما تغنت هذه المراكز على أنها تبني معطياتها على أسس علمية محضة.
من بين المؤشرات التي تستحق الدراسة هي أن هوية الولايات المتحدة الأميركية المعروفة بالانفتاح والحرية والعدالة أصبحت تتجه نحو التطرف وتنامي مشاعر الكراهية والعنصرية والميز على أساس اللون واللغة والدين.
فهنا نجد أن الخطاب العنصري للحملة الانتخابية لترامب اشتغل على منطق تخويف الأغلبية البيضاء واللعب على التناقضات بين أبيض/أسود، إنكليزية/إسبانية أميركا اللاتينية، الهوية المسيحية في مقابل الخطر الإسلامي.
لقد انتصرت الديمقراطية كآلية، لكنها تعتبر سقطة كبيرة لروحها التي من أدبياتها احترام الجميع بخلاف اللون واللغة والعرق أو الدين.
من الاستنتاجات الخطيرة أيضاً وجود شرخ مجتمعي كبير يحمل قيماً ترفض الآخر، فشريحة كبيرة من المجتمع الأميركي كان لسان حالها وأفكارها وآمالها المستقبلية مدفونة، إلى أن عبر عنها ترامب صراحة دون مساحيق التجميل الأميركية التي سقطت وتهاوت؛ ليظهر بعض من وجه أميركا الحافل تاريخياً بالعنف ضد السكان الأصليين وتهميشهم لغاية الآن، إضافة إلى تاريخ العبودية الطويل الذي عانى منه السود على مر عدة قرون.
لقد كانت فرصة تاريخية لأميركا أن تقطع مع العنصرية وتصحح من أخطائها القديمة حتى تتصالح مع التاريخ وتتخلص من ثقافة مركزية العنصر الأبيض وما دون ذلك هم من الدرجة الثانية "السادة/العبيد"، فمن الواضح أن أميركا لم تستطع أن تتخلص من طبعها القديم ولم تستطع أن تتطبع مع فكر إنساني يحب التعايش ويحترم الأقليات.
من بين الاستنتاجات أيضاً استخدام الدين وبقوة في الحياة السياسية الأميركية، خاصة من طرف، فعندما تتصفح الصفحة الرسمية لترامب على الفيسبوك تجد الكثير من مؤيديه يعتقدون أنه ذلك المخلص المبعوث من الرب "ترامب هبة ربانية"، كما يعتقد الكثير من أتباعه وأنصاره.
الأقليات تشم رائحة العنصرية، هل تحول الحلم الأميركي إلى كابوس يومي لكثير من الأقليات؟ بعد انتخاب ترامب ازدادت حوادث الكراهية والميز العنصري في الكثير من الولايات، كان أخطرها وجود كتابات عنصرية في بعض المدارس والجامعات، كأن انتخاب ترامب وتقلده رئاسة الولايات المتحدة الأميركية صك غفران يحق من خلاله الاعتداء على الأقليات لفظياً، وقد يتطور إلى جسدي في قادم الأيام، خاصة بعد تسلمه مقاليد السلطة في يناير/كانون الثاني المقبل.
على ما أعتقد فالإدارة الأميركية ستتوقف عن إعطاء الدروس للعالم في القيم الإنسانية واحترام التعايش ونبذ العنصرية ومنح الحقوق للأقليات؛ لأنه أخلاقياً لا يستقيم ذلك مع رئيس وفريقه وبعض أتباعه لا يحترمون الحد الأدنى منها في خطاباتهم التواصلية والسياسية.
لم يعد لأميركا حتى المبرر الأخلاقي في الدعوة لحماية الأقليات في بعض الدول؛ لأن ذلك أصبح دون معنى، حيث هي نفسها الآن تخرق هذا المبدأ الحقوقي ذا البعد العالمي.
في المقابل حتى نكون منصفين، هناك فئة عريضة من المجتمع الأميركي، خاصة من طرف الشباب المتعلم والمثقفين والليبراليين وغيرهم، يرفضون هذا المنحى اليميني العنصري في الحكم، ويعتبرونه خطراً يهدد مجتمعهم المبني على التعدد المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية للبلاد، هذا الرفض تحول إلى غضب نتج عنه حملة شعبية يمكن أن تلاحظها على شبكات التواصل الاجتماعي الأميركية، إضافة إلى خروج عشرات الآلاف للاحتجاج ضد ترامب، وترفع شعار "ترامب ليس رئيسي"، وهي خطوة فريدة من نوعها لم تحدث من قبل في أي انتخابات رئاسية، هذا السلوك الاحتجاجي يؤشر إلى وجود انقسام قيمي بين قيم التعايش والحرية والتعدد واحترام الأقليات، وبين قيم عنصرية متطرفة لا تحترم التعدد، وليس في قاموسها أي من قيم التسامح أو احترام للآخر.
العالم كله ينتظر كيف ستحكم الإدارة الجديدة؟ هل سيتطابق خطابها اليميني مع سلوكها السياسي؟ فقادم الأيام حافل بالمتغيرات وقادر على الإجابة عن كل الأسئلة المعلقة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.