هل سيتمكن غضب الفرات من تحرير الرقة؟

خسارة مدينة الرقة بالنسبة للتنظيم ستشكل ضربة قاصمة، فالرقة ليست منبج أو جرابلس ولا تل أبيض أو أي مدينة أخرى خسرها، فالرقة لها أهمية استراتيجية مهمة لدى التنظيم الإرهابي، فهي عاصمته الأولى

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/26 الساعة 05:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/26 الساعة 05:08 بتوقيت غرينتش

أعلنت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) حملة عسكرية ضخمة بالتنسيق مع التحالف الدولي تهدف لعزل محافظة الرقة وحصارها تمهيداً لتحريرها من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، التي اتخذها كعاصمة لمركز خلافته في سوريا، الإعلان عن الحملة جاء في ظروف دولية معقدة؛ حيث تزامن مع بدء معركة تحرير الموصل والانتخابات الأميركية، إلى جانب الضغوط والعراقيل الكثيرة التي تضعها تركيا أمام أي خُطط لتحرير المدينة؛ حيث إنها تشترط أن تشارك في عمليات التحرير، شريطة عدم مشاركة وحدات حماية الشعب الكردية -أهم حلفاء واشنطن- بحجة أن هذه القوات التي تعد العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية تابعة لحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة إرهابياً، فيما يجد محللون أن لتركيا مطامح تاريخية تتجاوز المشاركة أو عدم المشاركة كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنفسه قد أشار إليها.

مجريات المعركة:

خسارة مدينة الرقة بالنسبة للتنظيم ستشكل ضربة قاصمة، فالرقة ليست منبج أو جرابلس ولا تل أبيض أو أي مدينة أخرى خسرها، فالرقة لها أهمية استراتيجية مهمة لدى التنظيم الإرهابي، فهي عاصمته الأولى، وفيها مركز قيادته المركزي، التي تشكل منصة انطلاق وقيادة عملياته العسكرية باتجاه العمق السوري، كما أنها تعتبر عقدة وصل بين داعش العراق وداعش سوريا، وتقع على حدود خمس محافظات هي: الحسكة، ودير الزور، وحلب، وحماه، وحمص، ومن خلالها تفرض داعش حصاراً خانقاً على شمال سوريا؛ لأنها تتحكم بالطرق الواصلة بين مناطق الإدارة الذاتية الكردية شمالاً ومناطق الداخل السورية، فخسارة الرقة بالنسبة لتنظيم داعش تعني خسارة مركزية لحكمه في كل من سوريا والعراق.

الحملة العسكرية التي بدأت في 5-11-2016 وأطلق عليها اسم غضب الفرات، وبدأت من محورين: جبهة عين عيسى، وجبهة السلوك، تمكنت خلال مرحلتها الأولى التي استمرت عشرة أيام فقط من طرد التنظيم من مساحة تقدر بـ550 كم2 وبعمق 16 كم، ومسافة عرضية تبلغ 46 كم، وهو ما شكَّل دفعاً نحو تضييق الخناق أكثر على التنظيم الذي تراجع إلى حدود مدينة الرقة، وبعد الإعلان عن تمكن قوات سوريا الديمقراطية من طرد تنظيم الدولة من تل السمن، باتت المسافة التي تفصل " قسد" عن مدينة الرقة بحدود 25 كم، رغم أن معركة الريف الشمالي لم تكن صعبة، وخاصة مع التمهيد الناري والقصف الجوي المركز، لكنه من المتوقع أن يدافع التنظيم عن عاصمته بشراسة، خاصة أن هنالك الكثير من العوامل الداخلية والخارجية تلعب دوراً حيوياً في المعركة المرتقبة تصب في صالحه، فالتنظيم يستغل الرابطة العشائرية للكثير من عشائر العرب السنة الذين بايعوه في بداية إعلانه الخلافة وخاصة عشيريتي السبخة والعفادلة، والكثير من مسلحيه هم من تلك العشائر ومن أبناء مدينة الرقة نفسها، وهؤلاء يشكلون حاضنة شعبية للتنظيم، أضف إلى ذلك أن عدم تماسك التحالف العربي – العربي داخل قوات سوريا الديمقراطية، والتحالف العربي – الكردي قد يؤخر العملية، إلى جانب عدم وجود أي رؤية واضحة لمستقبل المدينة وترتيبات اليوم التالي بعد التحرير.

مدنيو الرقة: تأخرتم علينا

لعل مقطع الفيديو القصير الذي صوَّره مراسل احد الوكالات المحلية، وهو يظهر امرأة رقاوية منهكة ومنهارة تماماً وهي تبكي وتلوم المقاتلين: "تأخرتم علينا كتير كتير كتير، ما أعرف إنه نحن أهل الرقة رخيصين لهاي الدرجة، ما نعرف إنه انتو ظروفكم ما سمحت، نستنى اللحظة لي نشوف فيها الديمقراطي أو الكرد، المهم نخلص من اللي نحن بيه.." المشهد كان قاسياً، المركز الإعلامي المرافق لحملة الرقة كشف عن أن عدد النازحين من مناطق الاشتباكات وصل إلى 8 آلاف مدني، غالبهم يتم نقلهم إلى تل أبيض، المجلس المحلي للمدينة ناشد المنظمات الدولية ضرورة التحرك وإغاثة آلاف النازحين الذين يعيشون ظروفاً صعبة.

الكلمات البسيطة التي قالتها المرأة للمراسل كانت كافية لنصل لقناعة أن المجتمع الدولي لا يقدم شيئاً، وهو غافل عن مأساة المدنيين، ومعاناتهم في ظل القصف والقتل اليومي الذي يصيبهم في مختلف المناطق، وأن المدنيين هم آخر ما يمكن الحديث عنهم، وهم خارج أي أجندات تفاوض، سواء أكان بين النظام والمعارضة أم في مخططات التحالف الدولي وحلفائه على الأرض، فمعركة الرقة تأخر إعلانها أكثر من عام، ومن المحتمل ألا تنطلق رسمياً معركة المدينة قبل عام آخر.

الرقة تحت حكم داعش:

كانت الرقة أول مدينة سورية تتمكن من التحرر من النظام السوري، وذلك في أبريل/نيسان 2013، بعد معارك شاركت فيها الجيش الحر وتنظيمات إسلامية، مثل كتائب أحرار الشام الإسلامية، وجبهة النصرة، ولواء ثوار الرقة؛ ليتمكن داعش بعد أقل من عام من الانقلاب عليهم وإعلانها ولاية إسلامية، ومركز الخلافة في سوريا.

محمود أوسي الذي قتلت داعش ابنه البكر الذي لا يتجاوز الـ14 عاماً، بتهمة ذم الذات الإلهية عبر برنامج المحادثة "الواتساب" تحدث عن ممارسات داعش "أنه يمارس الإرهاب ضد المدنيين بشكل علني، ينفذ أحكامه الدموية في الساحة العامة، من قطع اليد، إلى قطع الرأس في ساحات يطلق عليها اسم ساحة الموت، ويتكرر يومياً أن يتجمهر وسط منبج الناس حين تنادي داعش لإقامة حدّ على سارق أو زانٍ أو مرتد. يوضع الرجل في ساحة المدينة على خشبة مرتفعة عن الأرض، ويقام عليه الحد أمام الملأ حتى يكون عبرة لغيره. ويُخصص جانب كبير لتعليم الناس على نهجهم وحمل السلاح، وخصوصاً الأولاد الصغار الذين لم تلوثهم بعد تعاليمهم الأصولية المتشددة، ويرسخون في عقولهم أن الإنسان يعيش في الدنيا لتطبيق حكم الله في الأرض، وأن السبيل للوصول إلى هذه الغاية هو الجهاد، وبغية ترسيخ هذه الأفكار في عقول الناس، فالتنظيم يغسل دماغ الأطفال لاستخدامهم كمفتاح لتوحيد دولته، وفي سن العاشرة يلتحق الأطفال بمعسكرات تدريب ليتعلموا كيفية القتال واستخدام الأسلحة وقطع رؤوس الأسرى والتعامل مع السجناء، وكيفية تنفيذ عمليات انتحارية".

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد