منطق بنكيران “السياسة الحقيقية هي سياسة الحقيقة”

إننا اليوم فعلاً أمام واقع جديد يتشكل، واقع الحقيقة التي لا مفر منها، وبالتالي على الأحزاب أن تهيكل نفسها وفقاً لهذا الواقع الجديد، وإلا سيكون مصيرها الموت البطيء.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/24 الساعة 05:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/24 الساعة 05:03 بتوقيت غرينتش

بِعد أزيد من شهر من انتخابات السابع أكتوبر/تشرين الأول، وبعد التوتر الذي عرفه المشهد السياسي والحزبي بخصوص تدبير التحالفات المقبلة، سواء في تشكيل أغلبية حكومية أو المعارضة التي يتهرب منها الكل، باستثناء البام الذي أعلن عن موقفه ليلة النتائج الجمعة 7 أكتوبر، ففي أول وهلة سيطرح المتتبع لعبثية تشكيل الحكومة هذا السؤال: إلى متى سينتظر بنكيران مواقف الأحزاب لصالحه لتسهيل تشكيل أغلبية حكومية؟ ما دام الدستور لم يحدد الآجال القانونية في تشكيل أغلبية حكومية.

فإذا كانت السياسة تشتغل بمنطق التوافقات وترتيب الأوراق، فإنه اليوم ينضاف إلى ذلك معطى جديد، هو طريقة تدبير بنكيران للمشاورات مع الأحزاب، خصوصاً حزبي الاتحاد الاشتراكي والتجمع الوطني للأحرار، الطريقة مختلفة جداً عن سياق 2011، هو أُسلوب فاجأ به زعيم المصباح كل السياسيين بعد أن عمل على كشف حقيقة خطابهم، وكيفية تعاملهم مع تشكيل حكومة يريدها الملك أن تكون "حكومة مسؤولة وجادة في مستوى تحديات المرحلة، وألا يكون همها إرضاء رغبات سياسية وتكوين أغلبية عددية وتقسيم الغنائم الانتخابية، فضلاً عن اعتماد هيكلة فعالة ومنسجمة وبرنامج ذي أسبقيات وبكفاءات.."، كما جاء في خطاب الملك بدكار بمناسبة.

الأسلوب الذي اعتمده بنكيران هجومي يفضح فيه تهافت نخبة الأحزاب السياسية ويكشف حقيقة الواقع السياسي، ربما بنكيران عمل بمقولة الشهيد المهدي بنبركة "السياسة الحقيقية هي سياسة الحقيقة"؛ إذ لا مفر اليوم من قول الحقيقة للرأي العام، قول الحقيقة لكي لا يتم الركوب على الدستور ودهسه؛ لكي لا يتم تزوير الإرادة الشعبية التي أقرت بتفوق حزب العدالة والتنمية وأعطته المرتبة الأولى وبمقاعد تسمح له الاشتغال بأريحية وتشكيل الحكومة دون الاستسلام للضغوط، ولا الخضوع لمنطق الابتزاز كما فعل مع الاتحاد الاشتراكي الذي أراد أن يحصل على رئاسة مجلس النواب وعلى مقاعد وزارية أكبر من الحليف الاستراتيجي لبنكيران، أي التقدم والاشتراكية.

إذاً بنكيران واجه كل خصومه، سواء الموجودين في الأحزاب أو خارجها من دوائر عليا وجهات يصفها بـ"التحكم"، بسياسة الحقيقة، أي قول كل ما يقع في كواليس السياسة للناس وللإعلام الذي ينقله إلى الرأي العام، هذا منهج بنكيران وهو منهج وأسلوب الزعماء الوطنيين، نجده عند عبد الله وعبد الرحيم بوعبيد والمهدي بنبركة وعلال الفاسي وعبد الرحمن اليوسفي، ولو بشكل أقل، يواجهون كل الصعوبات والتحديات بقول حقيقة واقعهم السياسي، هنا أتذكر التقرير الأيديولوجي للمهدي بنبركة الذي قال فيه ما يجب أن يقال، وحاول تقديم إجابات عملية لإنقاذ المغرب من القوة الثالثة، لا فرق بين صراحة كلام بنكيران اليوم وصرامة التقرير الأيديولوجي للمهدي، كلاهما اتبع منهج "السياسة الحقيقية هي سياسة الحقيقة".

العروي في روايته "أوراق" الغريبة والرائعة التي لم تعد تدرس في البكالوريا، عرف السياسة بكونها "فن التعامل مع الأشباح"، فعلاً اليوم نجد بنكيران يتفنن في تعامله مع أشباح السياسة، أشباح يستغلون غياب الديمقراطية الداخلية في أغلب أحزابنا وهشاشة خطاب نخبته التي تعتمد على سياسة الولاء والهبات وتبادل العطايا، بدل سياسة النضال والكفاح والبذل، أشباح يحركون خيوط زعماء الأحزاب كأنهم بيادق في لعبة شطرنج يوجهونهم وفق خطة محكمة لهزم وحصار زعيم حزب سياسي صوَّت له الشعب وفق دستور 2011، لكن للأسف هذه الأشباح لم تتعظ بعد، لم تفهم بالكاد أن هذا الزعيم السياسي "بنكيران" له ذاكرة سياسية قوية مبنية على معرفة دقيقة بتاريخنا السياسي ومطلع على التجارب، بالإضافة إلى ذكائه في استمالة الخصوم إلى دائرته والتحكم فيهم، كما وقع في المشاورات؛ إذ فضح ابتزاز لشكر وتصرفات أخنوش كأنه رئيس حكومة، ولم يضيع الفرصة ليتحدث عن كيف سيطر الأحرار المعطوبون -كما وصفهم في تسجيل مرئي بث في موقع حزبه- على الاتحاد الدستوري والحركة الشعبية، وهي سلوكات غريبة وهجينة تعبر عن رجعية هؤلاء الأشباح الذي يفكرون بمنطق "البلوكاج" ويعملون في المؤسسات الدستورية، وأهمها مجلس المنافسة الذي بسبه ارتفعت أسعار المحروقات في غياب أي مراقبة.

اليوم أبانت سياسة الحقيقة نجاعتها في صد كل محاولة لاختراق الإرادة الشعبية، ويفضح كل محاولة للالتفاف على نص الدستور، كما تكشف هذه السياسة نجاعة لا مثيل لها في ردع الأشباح الذين يتحكمون في الإعلام والاقتصاد والسياسة، هذا المنطق جدير بالدراسة؛ لأن الذي يتزعمه اليوم شخص له قدرة كبيرة في التأثير على الناس بلغة بسيطة تعتمد الدارجة في أغلب تدخلاته، والأمثلة الشعبية التي لها دلالات معبرة وتأثير منقطع النظير في إقناع المواطنين والمواطنات بكلامه.

إننا اليوم فعلاً أمام واقع جديد يتشكل، واقع الحقيقة التي لا مفر منها، وبالتالي على الأحزاب أن تهيكل نفسها وفقاً لهذا الواقع الجديد، وإلا سيكون مصيرها الموت البطيء.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد