تشهد حاضرة يوسف بن تاشفين حدثاً بارزاً، حديث العالم وتوجسات ساكنيه، ويتعلق الأمر بالقمة العالمية للمناخ كوب 22، وفي خضم ذلك تشهد أشهَر ساحات المدينة اعتصاماً توالت أيامه وتعددت أساليب واحتجاجات أصحابه، الذين أصبحوا محط اهتمام القاصي والداني، اللهم من أهل الدار الذين يسنّون سياسة الآذان الصماء والأبواب المغلقة.
إنهم خريجو البرنامج الحكومي عشرة آلاف إطار تربوي، الذين تلقوا تكوينات علمية وتربوية رصينة على يد كفاءات وطنية من داخل المدارس العليا للأساتذة، ولم يفتح معهم إلى حد الآن حوار جاد ومسؤول من طرف القائمين على القطاع؛ اللهم إلا تلك المقاربات القمعية التي ينهجها الجلادون لإسكات صوت الحقيقة، التي شهدناها عبر كل الأزمنة بمعية المناضلين.
لقد كانت المحطة النضالية البارزة -تبعاً لعدة برامج، أَعلن عنها المجلس الوطني-: تلك المتمثلة في الإنزال الوطني، تزامناً مع فعاليات كوب 22، علّ القائمين على الوضع ينقذون ماء وجههم، ويشرعون في إيجاد سبل قمينة تحل هذا الملف المطلبي العادل والمشروع، إلا أن لقمان معجب بحال الدار حد النرجسية، مما استدعى الأطر التربوية، للدخول في نضالات نوعية ومسيرات احتجاجية، توجّت آخرها بإضراب عن الطعام شارف على مائة ساعة، وأزم الوضع الصحي والنفسي للأطر المعتصمة؛ ليتساقطوا كأزهار تعبق أريجاً في عز ربيعها، لا سقوطاً حراً كأوراق الخريف الميتة. كيف لا وهم خيرة أبناء الوطن الذين حاربوا جور الدهر، حتى تحصّلوا على شهادات عليا متعددة، وولجوا أبواب العطالة قسراً في عز الأزمة التي يشهدها قطاع التربية والتكوين؟!
ولقد كان من الواجب على الوزارة المشرفة أن تجد حلاً سريعاً لهذا الملف المطلبي، ما دام الشح في الموارد البشرية مهولاً، إلا أن الأنكى من ذلك عمدها إلى فتح باب التعاقد مع حاملي الشهادات الأساسية، وسن مذكرات تسهل مأمورية الترشح حتى بدون المصادقة على الشهادات، في ظل المقاطعة الرسمية لخريجي المدارس العليا للأساتذة وحاملي الشهادات التربوية؛ ليسقط المشرفون على القطاع في الهوة السحيقة، تبعاً لسياساتهم: الفارهة أغصانها، والخاوية عروشها من ثمار تُجنى، أو أوراق يتفيأ بظلالها.
كما كان من الأولويات فتح الحوار مع الأطر التربوية المكونة، وتيسير إدماجهم في القطاع؛ نظراً لجاهزيتهم المعرفية والتكوينية، واستجابة للأمر الملكي السامي، والضغط الذي أصبحت تفرضه ثورة المدارس تبعاً للشح في مواردها، ثُم فتح تكوينات موازية لمن أراد الانخراط في مشروع التعاقد، إلا أن ضبابية الرؤية، والضغط الذي تفرضه الراهنية، أدى إلى سياسة ارتجالية إثمها أكبر من نفعها، ليقع هؤلاء المتشدقون بمدرسة النجاح والجودة في التعليم، في تناقض صارخ: وهم الذين كانوا يعيبون على خريجي المدارس العليا للأساتذة ضرورة إعادة التكوين في المراكز الجهوية، كما عابوا على خريجي هذه المراكز ضرورة تكوينهم في المدارس العليا للأساتذة إبان تمرير فصل التكوين عن التوظيف؛ ليقعوا هم مع مشروع التعاقد في شراك مع من عابوه على الأطر، فلا معارف نظرية ولا تطبيقية (التوظيف دون تكوين مسبق).
إن الصورة التي هزت مشاعرنا من داخل الاعتصام، تلك المبيتات والوقفات الليلية التضامنية التي أعلن عنها مجموعة من الإعلاميين والنشطاء الحقوقيين من أنصار الإنسانية الأجانب، حيث تزامن حضورهم الكثيف بمناسبة تغطيتهم فعاليات كوب 22، وتأسفوا حسرة وذرفت أعينهم حزناً على الوضع الصحي للأطر، وأكبر من ذلك تعجبهم لحال المسؤولين الذين لم ينصفوا الأطر التربوية، بعد أن قُدمت لهم صورة مجملة حول الأوضاع المزرية للقطاع.
وفي مقابل ذلك رصدنا بعض الأبواق الحقوقية التي حطت رحالها بفنادق خمسة نجوم، مسبقة الدفع من ميزانية الشعب، ولم تألُ جهداً في التضامن مع الأطر التربوية أو غيرهم، مما رسخ في أذهاننا أن القيم الإنسانية أكبر وأعم مما عداها من مشاجب ضيقة فرغت من معانيها كالعِرق أو الدين، وغدت في عصرنا وسيلة لغاية ماكرة، وأن الفعل وإن كان صغيراً نابعاً من القلب، ليعدّ أغلى وأكبر أمام النداوة والخطب، التي لا تتجاوز الحناجر، وأن عند ملك الحبشة ما ليس عند أهل الدار.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.