جاءت تسمية تلك الجماعة المتطرفة في نيجيريا "بوكو حرام" وهي تسمية بلغة الهوسا المحلية، بمعنى أن كل شيء جاء من الغرب حرام، أو التعليم الغربي حرام، ويعتقد أتباعها بضرورة جهاد كل ما هو غربي، ثقافة أو فكراً أو حتى ملبساً، ما عدا السلاح طبعاً؛ لأنهم لا يستطيعون سفك الدماء إلا به.
لكن هل بوكو حرام مذهب المسلمين؟ أو بتعبير آخر: هل كل ما جاء من الغرب غير مقبول ابتداء؟ أم أن هناك استثناءات؟
لمحاولة معرفة الإجابة ينبغي علينا ابتداء معرفة أهداف الإسلام كرسالة سماوية مجال تطبيقها هنا في الأرض لا في السماء.
جاء الإسلام كدين توحيدي يرجع أصل العبادة لإله واحد متفرد، وبجانب ذلك جاء مكملاً للقيم الإنسانية الراقية التي كانت سائدة في مجتمع بسيط كالكرم والشهامة وغيرهما، ويستدل على ذلك بقول النبي الكريم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
فإذا كانت تجربة العرب البسيطة التي أورثت بعضاً من قيم فاضلة لم تستهدف في وجودها بل تمت المحافظة عليها وأضيفت لقيم الرسالة الخالدة، فكيف بقيم إنسانية تدعو في أصلها للعدالة ونبذ الظلم وترسيخ ثقافة المحاسبة بغض النظر عن مصدرها ومكان انتشارها؟!
في تجربة المسلمين الطويلة، وخاصة في العصر المسمى بالراشد، تمت الاستفادة من نظم إدارية في الحكم وتنظيم المال ترجع في أصلها لتجربة الحضارتين الفارسية والرومية، ولم يجد المسلمون حرجاً في ذلك، بل أضافوا إليها الكثير والمفيد.
ولم يتطرق بعض علماء المسلمين للحديث عن حكم ما جاء من الطرف الآخر إلا في ظل التخلف الحضاري الذي أصابهم، وبدلاً من معالجة ذلك بحل أصل المشكلة والدخول في دائرة الإنتاج والتقدم في ظل عالم لا ينتظر أحداً، قام المسلمون برمي عجزهم نحو غيرهم بتحريم كل جديد بلا تدبُّر ولا تمهل حتى عاد حالهم كالعرجون القديم.
إضافة إلى ذلك، فإن الكسل عن فريضة التفكير وقراءة المنتوج الإنساني ومحاولة فهمه، كان أيضاً من مسببات الرفض لكل منتجات الحضارة الغربية خيرها وشرها، وحتى الذي تم قبوله كان على استحياء وتحت ضغط الحوجة التي يبدو أنها ستزداد كل يوم ما دام العود أعوج.
ظاهرة بوكو حرام ليست إلا تعبيراً صريحاً لموروث فقهي يمارس حتى الآن، ولكن بصورة أقل تشدداً، ربما لأن الفرصة لم تتَح له أو لعله تستر في شكل تقية "بضم التاء" غريبة الأصل لا تقطع أرضاً ولا تُبقي ظهراً.
يتحدث كثير من مفكري الإسلام عن العصور الأوروبية المظلمة، ويحلو لهم دوماً التذكير بغاليلو الذي مورست عليه ضغوط كثيرة من كهنوت كنسي خصم من هيبة الدين في أوروبا، ما جعلها حتى اليوم ترفض كل الأديان في فكرها الثقافي والسياسي.
ويتناسى هؤلاء المفكرون عمداً أو سهواً أن للمسلمين أيضاً عصوراً مظلمة كُبت في خلالها الفكر والعلم تحت مسميات دينية، كان أقلها الاتهام بالزندقة وأعلاها التكفير.
وبدلاً من نقد ذلك التاريخ بنفس الشجاعة التي نهاجم بها تراث أوروبا الذي تجاوزه الأوروبيون أنفسهم، تجاوزنا أو تجاهلنا كمسلمين مخازينا التاريخية كأننا بلا أخطاء بالرغم من أن آثار تلك المخازي ما زال يؤثر في حاضرنا حتى اليوم.
ليس كل منتوج فكري أو سياسي قادم من الغرب يستحق القبول والرفض هكذا بلا تمهل، بل لا بد من دراسة عميقة لهذا المنتوج وتحليله ومعرفة نتائج الأخذ به ومدى ملاءمتها من خلال مجهود بحثي وفني بحت، مما يتطلب الخروج من دائرة الكسل الفكري الذي أورث جموداً في التفكير، وتحجراً لا يراعي مقصد الرسالة من تتبع للمصالح وتكملة للفضائل.
الخروج من عنق الجمود لا يحل فقط مشكلة التفكير؛ بل يضع الأمة في طريق جديد يحترم العقل، ويبجل التفكير والتدبر في وقت نحن أحوج ما نكون فيه لقراءة تراثنا من جديد؛ للاستفادة من منتوج القدماء، وما فيه من الخير، وتجنباً في قابل الأيام لتكرار ما فيه من الأخطاء، وبنفس القدر نحتاج لقراءة المنتوج الحضاري الإنساني شرقاً وغرباً، ففي كل مجهود بشري خير ليس من العقل تجاوزه أو تجاهله، فالوقت لم يعد فيه متسع.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.