تمر المنطقة العربية ومنذ بزوغ فجر الربيع العربي أو الخريف العربي، كما يسميه البعض بعدة منعرجات سياسية وثقافية وأيديولوجية؛ حيث سقط في الأربع سنوات الأخيرة حكام كانوا يظنون أنهم مخلدون في الحكم إلى يوم الدين.
نجحت المملكة المغربية في أن تخرج من تبعات الربيع العربي بأقل الأضرار، بل كانت المستفيد الأكبر منه، وذلك يرجع في الأساس إلى حكمة وبصيرة العاهل المغربي الملك محمد السادس الذي شكل خطابه في 09 مارس/آذار 2011 نقطة تحول في تاريخ المغرب الحديث.
جاءت انتخابات 2011 بعد حراك شعبي كانت أبرز سماته حركة 20 فبراير/شباط التي كانت تعبر عن بعض المطالب التي عبرت عنها شقيقاتها في العالم العربي، وقد أسفر هذا الحراك والانتخابات التي تلته عن تسلم الإسلاميين للسلطة التنفيذية، ليكون أول رئيس وزراء في تاريخ المغرب من الإسلاميين؛ حيث تم استحداث هذا المنصب في دستور 2011.
حاول إخوان بنكيران تقديم نموذج محترم ومقبول للتسيير النزيه الشفاف لموارد الدولة المغربية؛ حيث قاموا بمباشرة إصلاحات اقتصادية كبرى، أبرزها إصلاح صندوق المقاصة، وإصلاح صندوق التقاعد، إضافة إلى مشاريع اقتصادية أخرى، هذا مع إخفاقهم في بعض الجوانب، إلا أنهم استطاعوا أن يكونوا دوماً قريبين من وجدان المواطن المغربي، من خلال الخطاب التواصلي لأمينهم العام الأستاذ عبد الإله بنكيران الذي يعتبر من أكثر الساسة في المغرب دهاء، وأقدرهم على تحريك الجماهير.
كانت انتخابات 7 أكتوبر/تشرين الأول حاسمة، ولم يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن يحقق "العدالة والتنمية" نصراً كالذي حققه، خصوصاً أنه جرت العادة على أن الناخبين يعاقبون من كان في الحكم، لكن مع العدالة والتنمية انقلبت الآية، واستطاع الحزب أن يكسب أكثر من 18 مقعداً جديداً، إذ انتقل من 107 في 2011 إلى 126 في 2016، مع نجاح نوعي في بعض الدوائر التي يقل فيها نسبة الوعي السياسي والحزبي.
فاز الإسلاميون في المغرب؛ لأنهم وبشهادة الكثيرين لم يسرقوا المال العام، ولم يشتروا فللاً ولا قصوراً في باريس ولندن، ولم يحاولوا استغلال النفوذ للتحكم في مصائر الناس.
ظل وزراؤهم يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، ويركبون القطارات، ويتنقلون مع المواطنين في النقل العام، فنالوا ثقة المواطن البسيط الذي قرر أن يمنحهم فرصة أخرى من أجل استكمال ما بدأوه في المرحلة السابقة.
استفاد إخوان بنكيران من تجربة أترابهم في البلدان الأخرى، فلم يغلقوا الباب أمام مخالفيهم، ولم يتصادموا مع قوى الدولة العميقة، واستطاعوا أن يحافظوا على علاقة متوازنة مع كل الفاعلين في الدولة، مع وجود معارك جانبية لا تخلو منها أي تجربة وليدة.
يستعد الإسلاميون في المغرب لتشكيل حكومة مغربية جديدة، بعد أن تم تكليف الأمين العام للحزب الأستاذ عبد الإله بنكيران من طرف العاهل المغربي الملك محمد السادس الذي أبان عن ذكاء وحكمة نادرين، وحرص على تطبيق خيارات الشعب المغربي، واستمرار الخيار الديمقراطي، حين عيّن الأمين العام للحزب الأول في الانتخابات رئيساً للحكومة بعد يومين من صدور النتائج مخالفاً بذلك كل التكهنات التي كانت تعج بها الصحافة المغربية.
يتوقع مراقبون أن ينجح بنكيران في إقناع كتلة الأحزاب الوطنية في الدخول بالانضمام إلى الحكومة، وهو ما سينعكس إيجاباً على أداء الحكومة وعلى التجربة الديمقراطية المغربية عموماً.
على القادة العرب الاقتداء بالعاهل المغربي في تعاطيه مع خيارات الشعوب، وسعيه إلى تكريس نموذج التنمية، في ظل الاستقرار في مناخ عربي غير مستقر، كما على الإسلاميين في البلدان الأخرى الاقتداء بإسلاميي المغرب، واستنساخ تجربتهم في الأداء الحكومي والأداء على مستوى البلديات والجماعات التي يديرونها بشفافية ونزاهة.
نجح الإسلاميون في المغرب لنزاهتهم ولصدقهم ولقدراتهم الفائقة في التنظيم، وفي التواصل مع الناخبين؛ لهذا استطاعوا أن يكسبوا ما يقارب مليوناً وثمانمائة ألف صوت من أصوات المغاربة الذين صوّتوا لهم من مختلف الجهات والمدن، صوَّتوا على أدائهم بغض النظر عن خلفيتهم الأيديولوجية.
يسير المغرب بخطى ثابتة نحو ترسيخ نموذج ديمقراطي تنموي، ميزته الأبرز البناء والتنمية في ظل الاستقرار، ونجاح الإسلاميين هو نجاح لكل الديمقراطيين في العالم العربي والإسلامي.
أمام الإسلاميين في المغرب تحدٍّ كبير فهل سينجحون فيه؟ أم أن تجربة إخوان مصر وتونس قد تتكرر في المغرب؟ هذا ما ستجيب عنه الأشهر والسنوات القادمة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.