يبدو أن نجاح حزب العدالة والتنمية في استحقاق 7 أكتوبر/تشرين الأول، بتصدره للمشهد السياسي وحصوله على عدد الأصوات الذي يؤهله لرئاسة الحكومة في ولاية جديدة خلال السنوات الخمس المقبلة، قد أثبت قدرة الحزب على تحدي خصومه السياسيين، إن على مستوى مجالات الوجود أو على مستوى "إرساء المصداقية" لبرنامجه الانتخابي، وعكس قدرة مرشحيه على إقناع الناخبين بنجاعة خياراته في معالجة القضايا المعقدة التي تؤرق المواطن، والكفيلة بتبديد مخاوفه حول مستقبل البلاد والعباد، إذا اعتبرنا أن "السياسات الجيدة تولد نتائج انتخابية جيدة".
لكن هذا التفويض الشعبي الذي حصل عليه حزب العدالة والتنمية وعودته إلى سُدة الحكم بقوة الصندوق، لا يعني بالضرورة تفرده في الحكم، وتصريف "خياراته الاستراتيجية" لمعالجة الكثير من المعضلات الاجتماعية والاقتصادية المتراكمة، في ظل الفسيفساء التي أفرزتها نتائج الانتخابات والبلقنة التي تطبع المشهد السياسي عموماً، هذا إلى جانب وجود منافس قوي قد يشكل معارضة شرسة في وجه الحكومة المرتقبة؛ مما يوحي -وحسب الكثير من المحللين- بأن ملامح قطبية سياسية قد بدأت تتشكل في الأفق، وبالتالي فإن السيد عبد الإله بنكيران سيلجأ إلى عقد تحالفات قد تنطوي على الكثير من المساومات، وقد تكلفه الكثير من التنازلات (والضرورات تبيح المحظورات)، حتى يستطيع الحصول على أغلبية مريحة تمكنه من تشكيل حكومة "ائتلافية" هجينة، متعددة المكونات، مختلفة المشارب والغايات.
يتضح إذن أن أي حكومة سيعلن عن تشكيلها، ومهما كانت مكوناتها، ودرجة ائتلافها أو اختلافها، فلن تكون سوى صورة لحكومة انتهت ولايتها، تتكرر وتعيد إنتاج نفس السياسات التي تبث قصورها في التعاطي مع الكثير من القضايا، وتستنسخ تجربة اعتورتها الكثير من الثغرات، وتبين عقمها في عدد من المواقف، ولنا الحق أن نتساءل:
* ما هي آفاق التغيير وتجاوز الراهن نحو الأفضل في غياب مؤشرات دافعة ومحفزة؟ هل ستغير الحكومة المرتقبة السياسات السابقة في التعامل مع الكثير من القضايا والملفات؟ أم ستبقى دار لقمان على حالها ليستمر النزيف؟
* هل سيتمكن رئيس الحكومة السابقة/اللاحقة من تشكيل فريق حكومي منسجم قادر على تجاوز القضايا الخلافية، والاستجابة للمطالب الاجتماعية والاقتصادية وتحسين أوضاع المواطن، انسجاماً مع منطلقات حزب العدالة والتنمية وشعاراته الانتخابية؟
* كيف سيستجيب البرنامج الحكومي المرتقب لتطلعات وانتظارات المواطنين ومعالجة المعضلات الاجتماعية والاقتصادية المزمنة، وتحسين الأوضاع المتردية في التعليم والصحة والسكن والشغل والحقوق.. باعتماد نفس السياسات السابقة؟
* ألم ينتهِ زمن التماسيح والعفاريت والغيلان؟ أم سنظل نبارز طواحين الهواء خلال السنوات الخمس المقبلة، ويعاد إنتاج نفس الخطاب التيئيسي المشحون بهاجس المؤامرة ونبرة التخوين؟
* هل تستطيع الحكومة المرتقبة أن تتخذ إجراءات رادعة للفساد وأشكاله وعوامله وامتداداته ولوبياته، وأن تبادر بسن قوانين وتشريعات تقوض اقتصاد الريع؟
* وقبل هذا وذاك، أليس من الأجدر وانسجاماً مع ربط المسؤولية بالمحاسبة تقييم التجربة الحكومية السابقة والكشف عن مواطن الخلل فيها، حتى لا تتكرس أزمة الثقة بين المواطن والفاعلين السياسيين أكثر مما عليه الآن؟
أسئلة تتناسل، قد تحرج البعض ولكنها تقلق الأغلبية، وتتطلب الإجابة عنها عمل إصلاحات كبرى كفيلة بإخراج المجتمع بمختلف شرائحه من حالة الاحتقان، أما ما يتنافى مع ذلك فسيؤدي حتماً إلى مزيد من الاستنزاف وتكرار التجارب الفاشلة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.