الموصل.. أي مصير ينتظرنا؟

الحديث عن تركيا ذي شجون، فهذا البلد، وهو الأقرب جغرافياً وعاطفياً، ممنوع من التصرف في القضية، بل ممنوع من الاقتراب من المدينة، وليس من سببٍ سوى الطائفية المريضة التي تجيِّش لها إيران آلاف الأصوات الناهقة وتشتري من لا ذمة لهم ولا شرف.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/30 الساعة 05:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/30 الساعة 05:24 بتوقيت غرينتش

نعم ستمضي المعركة كما رُسِمَ لها، ستتخلص الموصل من تنظيم داعش، فأميركا عزمت على ذلك، وجاءت بعددها وعدَّتها، وبقائدٍ عسكري، من أبناء العشائر المحيطة بها، استقدمته خصيصاً لهذه المهمة، بعد أن أرضعته من لِبانِها سنواتٍ كثيرة، ولكن ماذا بعد ذلك؟!

كل المؤشرات تقول إن أهالي الموصل، هذه المدينة العريقة بتاريخها الموغل في حضارة وادي الرافدين، لن يُتنَفَسوا الصعداء، فما ينتظرهم مصيرٌ غامضٌ جداً، إن لم نقل إنه أسود!

مأساة هذه المدينة أنها تقع على طريق الغزاة والطامعين، وخصوصاً أولئك القادمين من الشرق، ولندع التاريخ القديم وما يرويه عن حملات عسكرية وحصارات تعرضت لها، ولننظر إلى ما تعرضت إليه على يد نادر شاه الصفوي في عام 1743، الذي حاصرها لأربعين يوماً، بنحو 300 ألف جندي ومئات المدافع وقصفها بعشرات ألوف القنابل، لكنها صمدت بعد أن قاومت ببسالة، وأذعن الصفوي الغازي لإرادة أهلها وانسحب ذليلاً مهزوماً.

اليوم، بل منذ سنتين تتعرض المدينة إلى مأساة كبيرة بوقوعها تحت سلطة تنظيم لا يعرف من الإسلام إلا اسمه، أذاق أهلها الويلات وارتكب بحقهم المآسي.

ولكن هل ستنعم المدينة وأهلها بالأمن بعد خلاصها من براثن "داعش"؟!

كيف يمكن لنا أن نتوقع ذلك؟ ونحن نعرف من يتربَّص بها؟

تعالوا نتصفح أسماءهم، ونقرأ في وجوههم ما يضمرونه لهذه المدينة التي أنجبت ملكاً أنشأ أول مكتبة في التاريخ، مثل آشور بانيبال، وقائداً عسكرياً بقامة عبد الجواد ذنون ونبل سلطان هاشم أحمد.

البيشمركة الكردية تتهيأ لاقتحامها من جهة الشرق؛ لتقتطع من مدنها وقُراها ومزارعها ما يُضاف إلى إقليم كردستان، الذي اقتطع من جسدِ العراق بقدرةٍ أميركية فرنسية بريطانية، ورعاية صهيونية لم يعُد ينكرها حتى العُميان.

وهناك العصابات الطائفية، المسمّاة حشداً شعبياً، وهي ليست إلا مجاميع من الضباع المتعطشين للدماء، تتهيأ، من جهة الغرب، للانقضاض على الفريسة بعد ذبحها.

ومن الجو غربان الشر تحومُ في أجوائها، تنتظر لحظتها التي تنقضُّ بها على بيتٍ آمنٍ هنا وجامعة هناك وسوق يتبضَّع منها الناس حوائجهم، فتتطاير أشلاء الأبرياء فيما نقرأ في الأخبار عن استهداف مقاتلين لتنظيم "داعش" وربما قائدٍ في التنظيم أو وزير له.

أما جيش العراق، ذلك العنوان الذي لا يحمل من الجيش إلا اسمه، ومن العراق إلا الادعاء بالانتماء إليه، زوراً، فهو من أذاق المدينة مرَّ الهوان وسام أهلها سوء العذاب لاثنتي عشرة سنة، فقتل من أهلها مَن قتل، وهجَّر من شبابها مَن هجَّر، وابتزَّ من تجّارها مَن ابتزّ، وعذَّب من مقاوميها مَن عذَّب، وها هو اليوم يتربَّص بها الدوائر ليعيد الكَرَّة أضعافاً.

وإذا سألتني عن تنظيم الدولة، فأقول لك: سينسحب من المدينة، بعد أن يقاتل لأيام وربما أسابيع، ليس لأن حجم القوة التي يمتلكها لا تمكّنه من الاحتفاظ بالمدينة فحسب، بل لأنه اعتاد أن يفعل ذلك في كل مرَّةٍ يتعرض لمواجهة فيها، فقد فعلها من قبل مراراً، فعلها في مدن الدور وتكريت وبيجي والفلوجة والرمادي وجرف الصخر ومدن في محافظة ديالى، وسيفعلها في الحويجة أيضاً، بعد أن ينسحب من الموصل ويترك أهلها في عراء المشاريع المتربَّصة.

أما أهل المدينة فقد تعرَّضوا لاستنزافٍ حقيقي، طيلة 13 سنة ونصف، استنزافٍ مريرٍ أفرغ كل مقوِّمات الحياة لديهم، لكنه، وهذا من حسن حظَّهم، مع ذلك لم يُضعِف من إرادتهم على أن يصنعوا مصيرهم بأنفسهم، أو هكذا نعتقد، ففي المدينة عقلاء كُثُر، وفيها أشاوس كُثُر، وفيها من مخزونِ إرادةِ صنع الحياة الكثيرِ الضاربِ، عميقاً، في جذور الشخصية الموصلية التي بنت حضاراتٍ وسمت التاريخ، لكن ذلك محكومٌ بالسماح لعقلائها وأشاوسها بالعمل لإنفاذ إرادة صنع الحياة مجدداً.

والحديث عن تركيا ذي شجون، فهذا البلد، وهو الأقرب جغرافياً وعاطفياً، ممنوع من التصرف في القضية، بل ممنوع من الاقتراب من المدينة، وليس من سببٍ سوى الطائفية المريضة التي تجيِّش لها إيران آلاف الأصوات الناهقة وتشتري من لا ذمة لهم ولا شرف.

والمضحك المبكي أنَّ تركيا ممنوعةٌ من ذلك بذريعة السيادة، وهي (السيادة) التي لم تبقَ ورقة توتٍ لتسترَ عورتها، فهي في مهبِّ الريح منذ تكامل غزو أميركا للبلاد بعد أن اقتحمت أول دبابة أميركية حدود العراق الجنوبية قرب البصرة عام 2003.

وهي (السيادة) لم يبقَ منها شيء، بالمرَّة، يوم استدعى أقزام المنطقة الخضراء تحالفاً من 62 دولة للخلاص من تنظيم، تنظيم أيها الناس، مجرد تنظيم لم يتحوَّل إلى دولة، فكيف لو صار دولة فعلاً؟!

والذي يجعلنا نغرق في نوبةِ ضحكٍ مريرٍ، أن إيران هي من يطالب باحترام سيادة العراق، وهي التي تستبيح كل زاوية في العراق، وتحتل كل شبرٍ فيه، وتشتري من مواطنيه من يعرض نفسه للبيع، سنياً كان أم شيعياً، عربياً كان أم كردياً أم تركمانياً، مسلماً كان أم مسيحياً أم من أي دين ونِحلة كان.

إيران التي تآمرت، واسألوا سفير أميركا زلماي خليل زادة، أو لا تسألوه فقد أكدها في كتاب مذكراته، إيران التي تآمرت على غزو العراق مع الشيطان الأكبر، الذي بات صديقاً أكبر فيما بعد، ثم تواطأت على تسهيل احتلاله مع ذات الشيطان/ الصديق، إيران هذه لا غيرها، هي من يطالب بسيادة العراق، وهي التي اشترت بالأمس عمائم، سنّية، لتجلس مبهورةً بـ"صحوة" خامنئية، في مؤتمرٍ يترأسه علي أكبر ولايتي، ويصرخ فيه نوري المالكي معلناً أنه قادم للرقةِ ولحلبَ ولليمن، وأكمل في سرِّه، أو ربما انقطع البث التلفزيوني عنا نحن الذين خارج القاعة، قائلاً: "قادمون يا مكة"، فمهبط الوحي وبلاد الحرمين هي الهدف الذي يتطلع إليه القرامطة الجدد، وحشاشو حسن الصبَّاح.

هذا هو الواقع المحدق بالموصل، فأي مستقبل ينتظر هذه المدينة العريقة الصامدة؟ إلا أن يتدارك الله تعالى أهلها برحمته، فيهيئ لهم معيناً وناصراً..

وهو على نصرهم إذا يشاء قدير.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد