أحببتكِ عام 1993 فدخلت "جماعة الإخوان المسلمين" بالمغرب!
لا أعرف لماذا تذكرتكِ يا حبي القديم !
لا أعرف لماذا رأيت شبحكِ الآن في هذا الليل البهيم، عند مدخل "الأوتوستراد" المغربي الرابط بين عاصمة المملكة وكازابلانكا "الوحش".
علاش رجعتي في الليل علاش!؟
هل أهلوس!؟
هل أصابني مس!؟
أم هي صرخات الفنان الصوفي "ظافر يوسف"، المنبعثة من الراديو، قد بعثرت أوراق دماغي بعد يوم شاق في العمل؟
يرتفع اللحن والإيقاع، يرتفع الحلول الإلهي، وترتفع صرخات ظافر بكلمات الحلاج الصوفية: "فاقتلوني واحرقوني بعظامي الفانيات".. "فاقتلوني واحرقوني بعظامي الفانيات"…
وها أنا ذا أموت وأحترق بـ"بقايا صور" حبي الأول في ظلمة "الأوتوستراد"، حيث حللتِ بي وسكنْتنِي يا العمر، كما سكنْتنِي وحللتِ بي في أزمنة "الإخوان المسلمين" بمدينة وزان عام 1993.
هبلتيني يا الخوانجية في 93 وتخونجت وخليت رفاقي !
ولأجل هذا الحب الوزاني الطفولي (كان عمري آنذاك تسع سنوات بالتمام والكمال)، غادرت "جمعية حوري للمسرح" (اليسارية)، وركضت وراء عينيك وابتساماتك في الجمعيات الإخوانية، بداية من "نادي الشجرة".. فـ"جمعية أبي هلال"، لنلتقي في "الكشافة" قبل أن يجمعنا مقر "الشبيبة الإسلامية".
هل تتذكرين "أيتها الحب" عندما اجتمعنا في فريق واحد بمسابقة "الأسئلة الإسلامية"، كانت أول مرة وآخر مرة يقترب جسدانا من بعضهما البعض كل تلك المسافة.. وعندما فزنا كانت جائزتك – على ما أذكر – مصحفا وكتابا عن "أهوال القبور"، وكانت جائزتي مصحفا أيضا وكتابا بعنوان "الكبائر".
اللعنة عليكم يا أبناء الزواني.. وبذرة التطرف !
اللعنة عليكم أيها الحقراء !
أهديتمونا "عذاب القبر" جائزة وصورتم لنا الحياة بـ "الكبائر" ونحن أطفال !
لن أنسى يا أجمل الإخوانيات كل فيديوهات "غسل الدماغ" التي شاهدناها معا عن قصص من نُسغ الخيال للصحابة والرسل وأشباه المقاومين، لن أنسى رحلات "الطفولة الإسلامية" إلى "البحيرة" الوزانية أيام الآحاد، وصلاة الجماعة في الغابة، وكل تلك الشعارات المتطرفة التي علمونا إياها: "الموت للكفار.. الموت لليهود !"، "الله أكبر عاصفة لليهود ناسفة"، "خيبر خيبر يا يهود.. جيش محمد سيعود"، "إسلامية إسلامية.. لا شرقية لا غربية".
وصدف البحر.. آه من صدف البحر الذي قضيت أياما أجمعه لكِ من شاطىء التداريب الإخوانية بمنطقة "السطيحات".. هل تتذكرين شاطىء السطيحات في الشمال، والذي اكتسحه الإخوان المسلمون في تلك التسعينيات ؟ هناك حيث علمونا "الرياضات الإسلامية" و"عذاب القبر" و"قصص الأنبياء والرسل" و"قيام الليل"…
قتلوا فينا الطفولة يا حبيبتي !
اغتصبوا براءتنا يا عمري !
كنا أطفالا أيتهاالحبيبة.. واستغلونا.. حتى إنهم ألبسونا "تيشورتات" عليها علم "البوسنة والهرسك"، وطلبوا منا أن ننشد لإخوانهم الذين ماتوا هناك. وماذا كنا – أنا وأنت والبقية – نعرف عن "البوسنة والهرسك"؟ لا أتذكر ماذا كنت أنشد، ولكنني أتذكر أنه بين الحين والآخر كان يضيع مني اللحن، ويسيل الإيقاع هارباً من لساني بنظرة مسروقة في عينيك.
أحببتك عام 1993 فدخلت "جماعة الإخوان المسلمين" في المغرب!
انتهت أغنية الحلاج وظافر الآن.
أحس بألم غريب في رأسي الآن.
أخرج من "الأوتوستراد" الآن.
أطفأت أضواء البيت ونمت الآن.
وها أنا ذا مستيقظ في اليوم الموالي بعد الحلاج وظافر الآن.
رنت "نوتيفيكايشن" فيسبوكية على شاشة المحمول في هذا الصباح الغريب. "ميساج" حب إخواني من أيام "البوسنة والهرسك". رسالة من حبيبتي الوزانية، التي انتصرت – مثلي تماماً – على "ماكينة الخونجة" في زمن التسعينات الغابر، تقول الآتي:
هاي عزيزي فؤاد،
أتمنى أن تجدك رسالتي هذه في أحسن الأحوال.
(…)
هل تتذكر عندما سألتك في المدرسة: لماذا غيرت "الجمعية الإسلامية" وعدت إلى "جمعية الكفار" فأجبتني:
"لقد حكيت لجدي الفقيه عما يعلمونه لنا في الجمعية عن الدين ليقول لي: هؤلاء يا بني يكذبون عليكم، الله يحب الناس، ولأن الله يحب الناس، فنحن يجب أن نحب بعضنا البعض، وتلك السيدة اليهودية العجوز التي تسكن بالملاح، والتي يعلمونكم أن تسبوها، هي التي عرفتني على جدتك لأول مرة".
هل تعرف يا فؤاد، أن كلام جدك غير حياتي.
رحمة الله على جدك.
رفيقي "برايان" يقول لك:" ممتن أي امتنانٍ لجدك، لأنه جعلني أتعرف على حبيبتي "
وأنا أقول لك، افضحهم يا فؤاد، لا تسمح لهم بسرقة هذا الوطن، لا تسمح لهم بغسل أدمغة الأطفال كما كانوا يفعلون معنا، احكـِ للناس كيف كانوا يعلموننا الكراهية، كيف كانوا يعلموننا التكفير..التخوين والعنصرية، ولم نكن إلا أطفالا.
"بيغ كيس فروم نيويورك"
"بيغ كيس" يا حبي الأول.
وأعدك، وعد الحب الأول الصادق، بأن هذا الظلام سينجلي بإذن واحدٍ أحد.
انتهى.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.