هل صرنا نحتاج إلى التأكيد على أن علماء الشريعة من ذوي العقول والأفهام كسائر البشر؟!
إن أسئلتكم واعتراضاتكم قد مرت عليهم قبلكم، فهم مثلكم يشكون ويتساءلون، ولا يريد أحدهم أن يُخدع أو أن يتبع باطلاً، هم مثلكم في كل ما يرد على عقولكم من شبهة وقلوبكم من حيرة، فلا يظن الواحد منكم أنهم "مؤدلجون" لا يفكرون، أو لم يخطر ببالهم أفكاركم العظيمة ولا تساؤلاتكم المهمة.. لكنهم بحثوا عن الحق وجَدّوا في الطلب، واتبعوا دليلي العقل والنقل، فهُدُوا إلى ما ترون!
هم أكثر الناس حرصاً على كشف الزيف في العلوم التي اشتغلوا بها، وهم أكثر الناس حرصاً على تنقيحها، وحرصاً على تقريبها للعقول، لأنهم من تفرغ لها وحققها..
فعلماء الحديث هم من أنشأوا علم "الجرح والتعديل) و(علوم المصطلح) وصنفوا المصنفات واختبروها، وحكموا على أحاديث بالوضع والكذب وفق موازين علمية دقيقة.
وعلماء الفقه هم أصحاب الدليل يدورون معه حيث دار، لا يُحَكّمون عقولهم في النص بتحريف إن ثبت ووضحت دلالته، وهم أصحاب العقول الجبارة التي استنبطت حكم الله في المسائل المستجدة عن طريق القياس، وهم أول من ينبه على شذوذ الأقوال وضعف مستنداتها العلمية، وقد تكفل أرباب كل مذهب بأصحابهم!
وعلماء التفسير هم من شيدوا علم (الدخيل في التفسير) وحذر أجدادهم من
(الإسرائيليات والموضوعات) والآراء التي لا مستند لها أو تلك التي ترفض ظواهر النصوص ليحل محلها عبث الأوهام والنفوس.
وعلماء التزكية والتربية هم أول من بين زيف من يدعي الانتساب للتصوف الآكلين باسمه، ويلهجون دائماً بوجوب اتباع السنن وعدم الخروج عن الشرع، وفق فهم صحيح دقيق ذوقي، لا عامي ولا متسرع، كما نراه في (تنبيه المغترين) لسيدي الشعراني، و( قواعد) سيدي أحمد زروق، ونحوهما.
وعلماء العقائد هم أكثر الناس بياناً لزيف الخرافات والأوهام التي تلحق العقول البشرية فتختلق عقائد زائفة، فألفوا في عقائد القرآن والسنة وحرروا دلائلهما، ودافعوا عنهما، وبينوا زيف من خالفهما في كتب (الملل والنحل) ونحوها.
وعلماء القراءات هم أول من ينبه على زيف نسبة بعض القراءات إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسمونها (القراءات الشاذة)، فيدرسونها كما يدرسون المتواترة، حتى لا يقع المسلمون في الخلط بين الصحيح الثابت والفاسد الزائف الذي ليس بقرآن، وألفوا في هذا الكتب والرسائل..
ولو تتبعنا جهود هؤلاء لعرفنا أننا أمام أناس يحترمون أنفسهم وليسوا خرافيين ولا مجرد أتباع نمطيين مؤدلجين مقلدين، لكن آخر هذه الأمة ليس كأولها، فقَصُرت الهمم عن اللحاق بركبهم، أو بيان جهود تلك العقول الجبارة، فصرنا أمام قضية ناجحة محاميها فاشل، والأمر لله!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.