لطالما كانت الأزمات والمشكلات مُستمرة في الوطن العربي على مَدى عقود يَضيع خِلالها الكثير من المال وجهود العمل وحَياة ومُستقبل الأجيال التي عاشت خلال المرحلة، وحتى كل ما تم بناؤه من عُمران أو ما تم إصداره من قوانين وأنظمة، تذهب جَميعها أدراج الرياح، أو تَفقد فاعليتها بسبب استمرار الأزمات والمشكلات دون حلول.
والأزمات داخل أي بلد تكون مَعدودة أو حتى مَعروفة، وهي تحمل عناوين كبيرة، ففي العراق مَثلاً، هُناك أزمة حكم، أزمة توافق مُكونات المُجتمع دينياً وقومياً، أزمة إدارة الدولة، أزمة فساد مالي، أزمة الخدمات وغيرها، حولته إلى شبه دولة تعاني الفشل الحكومي.
أيضاً الأزمات تولد وتبدأ بالتكاثر، بحيث أي أزمة يُمكن أن تُؤدي إلى أزمة جَديدة لم تكن مَوجودة، فأزمةُ الحكم تؤدي إلى أزمة إدارة، وأزمة الإدارة تُؤدي إلى أزمة فساد وهكذا، يستمر توالد "الأزمات الموازية"، بمعنى خطر أزمة الفساد يوازي خطر أزمة الإدارة، وبدوره يوازي خطر أزمة الحكم، وعلى مر العقود كان رجال حكومات الدول العربية يتهربون من حَل الأزمات في بُلدانهم ويؤجلونها للحفاظ على مَصالحهم السياسية، ولأن الوصول إلى الحل يتطلب جهوداً استثنائية وتغييرات أساسية في بنية الحكومة وتوزيع السُلطات.
هذه التغييرات تؤدي إلى خَسارة لفريق أو أكثر مِن الأحزاب أو المسؤولين والشخصيات السياسية لمصالحهم وسلطاتهم، بالتالي يُفضل الجميع أن يَهرب إلى الأمام، ويُبقي الأزمة في الخلف، بل إن بَعضهم يُشجع حالة اللامُبالاة وإضعاف الولاء، ويُبقون على الجَهل والتجهيل لكي يَبقى كل شيء على حالة دون ظهور مَطالب الإصلاح، إن تحت كُل أزمة تولد أكثر من ألف مُشكلة بشكل مُستمر، ونظراً لأن الأزمات مُستمرة لعقود دون حل؛ لذلك تتكاثر المشكلات بشكل سَريع حتى تبدأ بتعطيل عَمل الحكومة وإصابتها بالشلل؛ لتصل إلى حالة العجز عن أداء وظائفها، بالتالي تكبر المشكلات لتؤثر على المواطن ولتصبح المشكلة جُزءاً من حياته.
ومثال على ذلك مُشكلة التخلص من المهملات في لبنان، كانت بسبب أزمة الإدارة وأزمة الفساد، فهذه الأزمة بدأت مُنذ عام 1994 واستمرت المشكلات المُتعلقة بالعقد والتكلفة وغيرها بالكبر، وظهرت إلى السطح بعد أن حولتها أزمة الإدارة وأزمة الفساد مَع حَجم المشكلات الكثيرة والكبيرة إلى أزمة خَطرها يوازي باقي الأزمات.
وكثيراً ما يتجه السياسيون والمسؤولون إلى حَل المشكلات التي ولدت بسبب الأزمات، والتي تُعطي ردود أفعال إيجابية سَريعة ومؤقتة، ولكنها ليست نهائية حاسمة؛ لأن هذه المشكلات سَتولد في مكان آخر وبشكل آخر، ولن تنتهي إلا إذا حُلت الأزمات المسببة لها، وكل ما يُصرف لها مِن مال ووقت وجُهد عَمل يُعتبر ضائعاً.
إن عَدم الوصول للحلول الجَذرية للأزمات يُضعف أسس الحكومة، بل قد يكون سبباً لإسقاطها بأشكال عدة كالثورة والانقلاب أو الاقتراع الديمقراطي.
ومِثال على ذلك ما حدث في ليبيا واليمن وسوريا وتُونس ومِصر، فكانت أزمة التشبث بالحُكم قد ولدت عدداً من "الأزمات الموازية"، كأزمة الإدارة والفساد والعمل، التي بدورها خَلفت عَدداً كبيراً من المشكلات التي استمرت على طول عمر هذه الأنظمة؛ لتشعل ثورات التغيير والإصلاح الجذري لها.
إن ما تَمر به حكومات الوطن العربي من مَرحلة صعبة قد يؤدي إلى إعادة رسم الخارطة الجغرافية لبعض البلدان، هي بسبب تراكم الأزمات والمشكلات، بالتالي على الحكومات الجديدة أو المُستقرة أن تُنفذ الخَطوات التصحيحية دوماً، وتَعمل على الاستجابة للأزمات بشكل سَريع، والأهم أن تتخذ إجراءات وقائية لضمان عدم تكرار حدوثها.
إن إصلاح الأزمات يأخذ وقتاً طويلاً قد يَستغرق عقداً أو أكثر، تُنفذه عدة أجيال، وتُصرف له جُهود عَمل وتكاليف مالية وتضحيات كثيرة، ولكن عند الإصلاح سَتكون النتائج الإيجابية كثيرة ومؤثرة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.