وأنا أجلس في أحد مراكز الاقتراع في حي درب السلطان لإنجاز تقرير للإذاعة حول أجواء الانتخابات في عمالة درب السلطان الفداء بالدار البيضاء، كان ينتابني إحساس بأن الحدث ليس بالانتخابات التي سيتم فيها اختيار مرشحين يمثلون المغاربة في قبة البرلمان؛ بل موعد لموظفي الداخلية مع إشباع غريزة السلطة لديهم.
كانت أكواب الشاي تتوزع على الحاضرين، كل حزب يحمل وجبة الغذاء للمراقبين التابعين له، وكان للنساء حضور، لكن لسن كمشاركات في التصويت، بل في عملية التنظيم، كن يستمتعن هن أيضاً بالاشتغال في كواليس الانتخابات، بينما كان يستفيد الشباب من الحدث عبر كسب قوتهم اليومي كمشاركين في التنظيم أو في الحملات الانتخابية.
أحسست بالخوف حينها على مستقبل هذا الوطن، الذي يغيب فيه الشباب عن المشاركة السياسية، ويعتبرون أن الانتخابات موسم لجني مصروف يعيلهم على الزمن، لا سيما أن الانتخابات لم تعد فرصة للتغيير، بل أضحت سيناريو يكرر نفسه، نفس الوجوه تتزعم الأحزاب، فقط تعديلات بسيطة كبعض التجاعيد التي تكسو ملامحهم.
الشعارات نفسها والبرامج متشابهة تتغير فقط رموز الأحزاب، فكيف يمكن لمثل هذه الأحزاب التي ما زالت تنبني على عقلية الشيخ والمريد أن تساهم في تنشئة نخب من الشباب تشارك في المشهد السياسي؟
وكيف يمكن لمثل هذه الأحزاب التي تعتمد خطابات "شعبوية" وعبارات تعيد إنتاجها في كل لقاء أن تخلق الثقة بين الشباب والمؤسسات، أسئلة عدة طرحتها، وأنا في أحد مراكز الاقتراع، أستغل الفرصة لأكتشف واقع بلدي الذي يحز في خاطري.
كنت أسافر بين الفينة والأخرى بنظراتي في أرجاء المركز؛ ليستوقفني آنذاك مشهد أحد المواطنين الذي يحمل بطاقته الوطنية، ويلتمس من عون السلطة أن يسمح له بالمشاركة في التصويت، كان يتحدث بلهجة توحي بأنه إنسان "درويش" مغلوب على أمره، رغبته الوحيدة هي المشاركة، غير أنه لم يحمل معه بطاقة التصويت وغير مسجل في اللوائح الانتخابية، حاله كحال بعض المواطنين الذي يجهلون كيف يشاركون في عملية التصويت.
فهل يمكن لهذه الفئة أن تتقصى وتشدد على أهمية وضوح برامج الأحزاب السياسية، في حين كان أغلب المشاركين في عملية التصويت تتراوح أعمارهم بين 50 و70 سنة، إنها الفئة التي اختارت الوفاء بواجبها الوطني آملة بالتغيير ومستقبل أفضل.
وبعد الإعلان عن نتائج الانتخابات وفوز حزب العدالة والتنمية بولايته الثانية، يبقى السؤال العالق في ذهني: أي انتصار للحزب أو للمشهد السياسي المغربي في انتخابات عنوانها الأبرز عزوف الشباب؟
وكيف يمكن أن يكون المستقبل أفضل وأحزابنا ومؤسساتنا ما زالت تصنع عقلية تنأى بنفسها عن المشاركة، أو بالأحرى مواطن مستقيل عن واجبه لا يهمه من فاز أو اسمه أو برنامجه بقدر ما يهمه هل ستفوز الريال أو البارصا، وفتيات همهن الوحيد هل دنيا باطما أجرت عملية تجميل لأنفها؟
أي انتصار تتحدثون عنه وأنتم عاجزون عن صناعة وعي اجتماعي يدرك كيف يؤثر مشروع قانون المالية الذي يصادق عليه البرلمان سنوياً على ميزانية قطاع التعليم والصحة؟ ولهذا لا يحق لنا أن نحتفل حتى تتقلص نسبة العزوف، ويمتلك المواطنون المعلومة للمساءلة والمحاسبة والمشاركة في المشهد السياسي والاقتصادي.
سنحتفل عندما تتحول الانتخابات إلى حدث يهم المغاربة، وليس موسماً يقتات فيه الشباب، وتباع فيه الأصوات؛ ليفوز ولد زروال الملقب بـ"مول حولي" بمقعد في البرلمان، بعدما اكتسب شهرة بسبب تصريح إحدى النساء المهمشات في مقطع فيديو تداولته مواقع التواصل الاجتماعي بأنها تدعمه؛ لأنه اشترى لها أضحية العيد.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.