انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي خبر وفاة شاب في التاسعة عشرة من عمره، بعد صراع مع مرض سرطان الدم، مهند إيهاب اعتقل ثلاث مرات، أولاها كانت لمدة يومين بعد مجزرة سموحة، وكان عمره أقل من 16 عاماً، والمرة الثانية في ديسمبر/كانون الأول 2013 في أحداث كوم الدكة، حيث تم ضربه واعتقاله، فأضرب عن الطعام لمدة 50 يوماً حتى خرج في أبريل/نيسان 2014، والثالثة تم اعتقاله وهو في طريقه إلى المنزل مع أصدقائه، وصدر ضده حكم بالحبس لمدة خمس سنوات، تم تعذيبه في مبنى أمن الدولة، ثم اقتيد إلى المديرية ومنها إلى سجن برج العرب.
يحكي والده أنه طلب منه ألا تقترب منه والدته في الزيارات، وألا تلمسه خشية أن يتألم فتعلم أنه قد تم تعذيبه، تم الإفراج عنه بعد معاناة بسبب إصابته بالسرطان بنسبة 93%، ولأن حالته قد أصبحت ميؤوساً منها.
بحسب مركز النديم، هناك نحو 597 حالة من الإهمال الطبي يقبع أصحابها في مراكز الاحتجاز، يحيا منهم مَن يحيا، ويموت من يموت.
نستطيع أن نقول إن كوارث إنسانية من هذا النوع تحدث في مصر منذ بداية ثورة يناير/كانون الثاني وبكثافة وتبجح بعد الانقلاب، يبدو أن مصر تسعى بكل ما تملك من قوة للحصول على لقب "بلد المليون قتيل"!
لا نعلم نحن المتابعون للأحداث ما الذي أصابنا بغم وهم وحزن بعد خبر وفاة مهند!
هل لما كتبه والده على صفحته الشخصية من وصف لجمال طباعه وحسن خلقه وبره بوالديه إلى درجة أنه رفض أن يحضروا مترجماً لوالديه بالمستشفى بأميركا حتى لا يعلم أبواه مدى كارثية حالته؟
أم لما أبداه من بطولة حين شارك في سن صغيرة بفهم ووعي في أحداث ثورة بشجاعة يحسده عليها الكبار؟!
أم لما أثارته حادثة موته من أشجان وآلام وقهر في نفوس كل من تابع ما يجري في مصر منذ خمس سنوات، حتى إننا بتنا لا نعلم أي جرح صار أكثر إيلاماً؟
ترى هل ذكرنا بالاختفاء القسري الذي بلغ عدد المختطفين -بحسب رواية حافظ أبو سعدة عضو المركز القومي لحقوق الإنسان- نحو 266 حالة، بينما تجاوزت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات لتعلن أن عدد الحالات قد بلغ في النصف الأول من العام الجاري 2811 مختفياً، وأضافت منظمة العفو الدولية أن هناك من 3 إلى 4 حالات يتم اختطافهم يومياً، شمل هذا الأمر سياسيين وطلاباً ومتظاهرين وأناساً لا علاقة لهم بالسياسة ولا الأحداث من الأساس، وأطفالاً لا يزيد عمرهم عن 14 عاماً، يتعرضون داخل أماكن الاحتجاز للضرب والتعذيب والإرهاب، كما تلفق لهم قضايا سياسية، كان آخرها تهمة هي الأولى من نوعها، وهي إثارة جو من التشاؤم العام!
أم ذكرنا بآلاف الضحايا إثر كل مجزرة من بداية ثورة يناير وجمعة الغضب، ثم محمد محمود، مروراً بالعباسية، إلى أن انتهينا إلى الحرس الجمهوري ورابعة والنهضة التي وصل فيها النظام وفصيل كبير من الشعب إلى أقصى درجات ساديته، فبات كل يوم من أيام العام يحمل ذكرى أسوأ من سابقتها؟
أما أن "مهند" ذكّرنا بضحايا الغرق بحراً ونيلاً في حوادث متفرقة، آخرها كان غرق مركب يحمل مهاجرين غير شرعيين هربوا من شظف العيش، كما نصحهم إعلاميو مصر الذين حكموا من أبراجهم العاجية أن من لم تعجبه مصر فليرحل "في داهية"، فانطلقوا إلى تلك الداهية علها تكون أكثر رحمة بهم من بلاد حافظوا عليها وما رعتهم، فمات منهم نحو 186 غريقاً لم تكلف دولتهم نفسها عناء إنقاذهم أو انتشال جثثهم أو حتى توفير أكياس بلاستيكية لتواري رفاتهم؟
أم قد يا مهند ذكرتنا بضحايا القتل خارج القانون الذين بلغت أعدادهم منذ بداية الانقلاب بحسب مركز النديم 1083 حالة، كان آخرها تصفية محمد كمال، عضو جماعة الإخوان المسلمين، بعد أن أعلنوا اعتقاله، ثم تراجعوا ليعلنوا قتله بشكل مبرر، في خبر لا نعلم أيبكي أم يثير السخرية؟
أم ذكرتنا أيها الصغير سناً، الكبير مقاماً، بضحايا التعذيب الذين يصرخون ولا تصلنا أناتهم، والذين بلغت أعدادهم 1031 شخصاً، وهذا بالطبع ما استطاعت المراكز رصده، فلا يمكن في مقبرة كالتي نعيش فيها أن نعلم الأعداد الحقيقية للمظلومين؟
أم ذكرتنا باغتصاب 54 من الفتيات في السجون و16 من الأطفال، وحدّث ولا حرج عن الشباب، أم بشنق أحداث صغار لأنفسهم هروباً من التعذيب؟!
أم بالمقتولين في اصطدام قطارات أو سحقا ًتحت عجلاتها، فبحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فإن عدد حوادث الطرق بلغ عام 2015 نحو 14548 حادثة، وحوادث القطارات 1235 لنفس العام.
أم بنحو 200 ألف مصري يصابون سنوياً بالسرطان، أم 25% مصابون بالتهاب كبد وبائي أم بنحو 2 مليون و600 ألف مصاب بمرض الكلى يتعذر علاجهم؟!
أم بضحايا خطف وتجارة الأعضاء، أم بحالات خطف الأطفال التي لا تجد لدى المسؤولين أذاناً تصغي، وكأنها أمر لا يستحق أن يوليه النظام عين اهتمام؟!
أم بحالات انتحار لم نعهدها في مجتمعنا المسلم، فهناك نحو 3000 محاولة انتحار سنوياً لمن هم أقل من سن 40 سنة؟!
أم بأبنائنا، أبناء جيش يتساقطون كل يوم كالعصافير مرة في ما يسمونه هجوماً على خلايا إرهابية، ومرة في قتال لا ناقة لنا فيه ولا جمل بدول أخرى، ومرة بالإهمال لانفجار طائرة بالجو مثلاً، وفى النهاية يعود المجند أو الضابط لأهله داخل تابوت لف بعلم مصر ليقولوا للأب تسلم ابنك الشهيد، وأعد لنا التابوت والعلم فهو "عُهدة"؟
أم بأهل سيناء الذين هم خارج التغطية منذ معاهدة كامب ديفيد، يعاملون بداية معاملة الخونة، فلا يملكون أراضيهم بل يهجرون جبراً من منازلهم في مشهد قريب من تهجير أهالي النوبة المهمشين، إلى أن وصلنا إلى أن من يقتل منهم أياً كان فهو إرهابي، لا أحد يعلم ما يحدث هناك بالتحديد وحقيقة، لا أحد يهتم؟
أم بخيانة أضحت ملء السمع والبصر لدين ما أحسن الداعون إليه الدفاع عنه، وأرض كانت تهابها الضباع، فأصبحت منتهكة، وشعب كان فاكهة الدنيا فأصبح ذليلاً منكسراً؟!
أم بابتسامة نرسمها غصباً حتى نزرع أملاً في أجيال قادمة لينبتوا أشداء، عل الله أن يصلح بهم فساداً ما صلحنا لتطهير البلاد منه؟
ترى لِمَ بكيناك هكذا يا مهند؟ إنه الشعور بالعجز أمامك وأمام كل ما نعيشه من عار وخزي، عذراً بني، ربما أراد الله أن يبدلك داراً خيراً من هذه الدار، أسكنك الله فردوسه الأعلى وربط على قلب والديك، أما نحن، فلا نملك إلا الدعاء أن يرفع الله عنا البلاء، وأن يغفر لنا تلك الذنوب التي تحول بيننا وبين نصره، وأن يهدينا سبل الرشاد، وأن يثبتنا على الحق، ما دمنا أحياء.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.