رغم عدم وضوح برنامج حزب العدالة و التنمية في هذه المرحلة حيث اختزل الحزب دعوته للتصويت بشعار صوتنا فرصتنا لمواصلة الإصلاح الأمر الذي دفع الكثير من المتابعين للحقل السياسي المغربي يتساءلون: هل حقق الحزب شيئا من الإصلاح حتى يرفعه شعارا للمرحلة ؟ بالإضافة إلى الكثير من الإشكاليات التي مرت خلال ولاية الحزب و التي وضعت الحزب في مواجهة مباشرة مع المواطنين منها على سبيل المثال رفع سن التقاعد و الزيادة في الماء و الكهرباء و الإقتطاعات المتكررة للموظفين و الزيادة في الضرائب و استقبال الأزبال من الدول الخارجية والقمع الذي ناله الكثير من المحتجين على سياسة الحكومة و غيرها من الإشكاليات التي طرحت في تجربة العدالة و التنمية في سياسته لتسير الشأن العام ، إلا أن الحزب عاد ليتسيد المشهد السياسي مجددا. فما هي الأسباب التي دفعت الكثير من المغاربة لمنح أصواتهم للمصباح مجددا ؟
العوامل التي جعلت حزب العدالة و التنمية يحتل المرتبة الأولى على المستوى الوطني كثيرة رغم أن معظم المغاربة غير مقتنعين بتسيير بنكيران وحزبه للحكومة ، و يمكن أن نلخص أهم هذه الأسباب في ما يلي :
أولا : أعتقد أن أول من ساهم في تصدر البيجيدي المشهد الإنتخابي هم خصومه السياسيون و الأحزاب المتنافسة معه على رأسهم إلياس العمري, الأمين العام لحزب الأصالة و المعاصرة الذي استهدف في تصريحاته التوجه العقائدي لعموم المغاربة خصوصا في تصريحه عندما قال : جئت لمحاربة الإسلاميين . هذا التصريح اعتبره العديد من المغاربة يستهدف الهوية الإسلامية و القناعات الدينية مما جعل الكثيرون يختارون حزب العدالة و التنمية باعتباره ذو مرجعية إسلامية بل إن الكثير من المقاطعين دفعهم هذا التصريح إلي اختيار المصباح تخوفا من وصول هذا الشخص وحزبه إلى رئاسة الحكومة, و على نفس المنوال كانت تصريحات لشكر الأمين عام لحزب الاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية حيث طالب بإلغاء الكثير من الأحكام الشرعية المتعلقة بنظام الإرث والزواج المنبثقة من الشريعة الإسلامية, إلى جانب تصريحات غير مسؤولة للعديد من القادة السياسيين في نفس الإتجاه .
ثانيا : بعض الخرجات غير محسوبة لبعض أعوان السلطة و القياد على سبيل المثال مظاهرة 18 شتنبر الماضي ضد الإسلاميين وبنكيران و التي اعتبرت فضيحة بكل المقاييس خصوصا أنه تم جلب أشخاص لا علاقة لهم بالعمل السياسي و ليس لهم أي وعي بالأحزاب ولا التيارات الفكرية ولا الحركات الاسلامية و تم مدهم بشعارات خطيرة مثلا" لا لأسلمة الدولة" و" لا للتكفير" كما تم توزيع عليهم مجموعة من الصور لوجوه تشتغل في العمل الدعوي والسياسي كما تم شحنهم ضد بنكيران و حزبه وفي الأخير تم كشفهم من طرف بعض المنابر الإعلامية .هذه المظاهرة دفعت الناس للتعاطف مع البيجديين وبشكل كبير.
ثالثا : العدالة و التنمية يعرفون كيف يتقنون ثوب الضحية فرغم أنه المسؤول الأول دستوريا و وزراءه على رأس العديد من الوزارات إلا أنه يتقن كسب تعاطف الناس ، باعتباره ضحية من ذلك ما ذكره وزير العدل في تدوينته قبل الإنتخابات حيث تحدث عن عدم إشراكه ولا معرفته بسير الإنتخابات و كأنه يشتكي للشعب من وزارة الداخلية و كذلك البكاء المتكرر لابنكيران و حديثه عن التحكم باعتبار حزبه ضحية التحكم وهذا يلقى تعاطفا وتجاوبا عند الناس.
رابعا : عدم وجود بديل سياسي خصوصا أن باقي الأحزاب تعتمد على وجوه انتخابية عرفت بعدم المصداقية و النزاهة و من هنا فإن الكثيرين من المصوتين للعدالة و التنمية اختاروا الحزب ليس لقناعتهم بمشروعه و لكن لعدم وجود بديل سياسي أخر و منهم من يعتبره أخف الضررين فهم لا ينفون عليه أصل الضرر لكن لعدم وجود من هو أقل ضررا منه.
و في الختام لا بد من الإشارة أن هذه الإنتخابات الأخيرة عرفت عزوفا كبيرا للمواطنين المغاربة و الذي وصل إلى حدود 74 في المئة حسب بعض الإحصائيات إذا جمعنا بين المسجلون في اللوائح و عدم المسجلون ، و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم ثقة فئة واسعة من الشعب المغربي بالنخبة السياسية المنتخبة مما يطالب من السلطة الحاكمة إعادة التغيير في المجال السياسي في المغرب وفتح الباب أمام مشارع سياسية لها مصداقية وقادرة على إقناع المواطن وتقديم حلول وتوسيع مجال الحرية و تقليص نفوذ السلطة المطلقة وإلا فإننا سنشهد في السنوات القادمة عزوف شبه كلي على الانتخابات المغربية .
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.