السؤال الذي يتم طرحه اليوم هو "لماذا نجح الأتراك في إفشال الانقلاب وتثبيت حكم القانون والديمقراطية والشرعية؟ بينما فشل المصريون في ذلك؟"؛ وهنا لا بد من التنويه أن السؤال محصور في الفترة الزمنية بعد بدء الثورات العربية فقط.
حتى يتم البحث بدقة عن جواب مقنع لهذا السؤال، سنستعرض الفوارق بين الحالتين والمشترك أيضاً؛ لنستخلص العِبَر والدروس، ونطرح بعض التساؤلات الممكنة..
بادئ ذي بدء، فإن حركة "الإخوان المسلمين" تمتاز سياستها بلا مركزية، ولكل حزب حرية باتباع سياسة براغماتية إلى أبعد الحدود في الدولة التي يعمل فيها. مثال ذلك: بينما تخوض حركة حماس في غزة صراعاً وجودياً ضد الكيان الإسرائيلي، تجد حزب العدالة والتنمية في تركيا يعمل على التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، بسبب تراكمات تاريخية منذ اندلاع الحرب الباردة حتى اليوم..
هذه المرونة في الإستراتيجية السياسية أعطت حركة الإخوان ديناميكية ونشاطاً في البلدان العربية، حتى أنها عقّدت وصعّبت على المراقبين دراسة وفهم موقف الغرب من هذه الحركة؛ موقف ليس موحداً، بل معقّد، ويختلف من دولة لدولة أخرى..
فإدراج حركة حماس ضمن الحركات "الإرهابية" في الغرب لا يمنع الاتحاد الأوروبي من فتح باب التفاوض مع الحكومة التركية بغية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، رغم أن حزب العدالة والتنمية هو ممثل الحكومة منذ بدء المفاوضات. أيضاً لا يمنع الولايات المتحدة من التزامها بعقد اتفاقات مع الحكومة التركية والتونسية أيضاً.
للعودة إلى الموضوع الأساسي، فإن المشترك الأهم بين الحالتين المصرية والتركية هو نزول الشعبين إلى الميادين لصد الانقلاب العسكري. في مصر، زهقت أرواح أكثر من ألف "شهيد"، وفي تركيا فقد أكثر من 250 تركياً أرواحهم للوقوف في وجه العسكر.
في الحالتين، وقف الغرب متفرجاً، بل إن الأدلة والقرائن التي تدين تدخل أوروبي أميركي في محاولة الانقلاب في تركيا أقوى من تلك التي أدانتهم في الحالة المصرية.
في كلتا الحالتين، وصلت حركة "الإخوان" إلى الحكم بعملية ديمقراطية شفافة، واستحوذت على كافة مفاصل الدولة بالقانون.
في مصر وتركيا، سعت "المؤسسة العسكرية" إلى فرض رؤيتها لهوية الدولة وأيدولوجيتها، وِفق منظور علماني بحت.
أيضاً، تمثل "المؤسسة العسكرية" في مصر وتركيا رمزاً يفتخر به المصريون والأتراك، رغم أنها تمثل "الدولة العميقة" التي يصعب التوغل فيها والتحكم في التعيينات واستبدال العقيدة التي يلتزمون بها.
الفترة الزمنية التي حدث فيها الانقلابان لا تختلف وِفق المشهد العام، فالحالة الهستيرية التي تصيب منطقة الشرق الأوسط ما زالت منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 حتى اليوم.
كِلا الحزبين يطمئنان الغرب بإيمانهما بتداول السلطة، وحكم القانون، والاحتكام إلى الصناديق لتقرير مصير الشعوب، ونبذ العنف ومحاربة "الإرهاب".
أشرنا في مقدمة المقال أن البراغماتية كاستراتيجية معتمدة عند "حركة الإخوان" يعطي لكل حزب دائرة من الحرية يستطيع أن يرسم فيها مساره وِفق المصالح. وتتجلى هذه البراغماتية في علاقة كِلا النظامين بالكيان الإسرائيلي. في حين أن خطابات المسؤولين في حركة "الإخوان" في مصر قد أرعبت "إسرائيل" وقد اتخذوا من منابرهم أيام الانتخابات منصات لإطلاق التهديدات، فإن الحكومة التركية ظلت تلتزم بالإرث التاريخي للنظام التركي بضرورة تثبيت التطبيع مع إسرائيل كمصلحة مشتركة للدولتين منذ اندلاع الحرب الباردة، ولصد الأطماع السوفياتية – الروسية في منطقة الشرق الأوسط.
إسرائيل لا تخشى من تغيير جذري للسلطة في تركيا، إذ إن خيار التطبيع هو مطلب لا يُمكِن أن تختزله أي حكومة بأي صبغة كانت: سواء علمانية صرفة، أو قومية أو حتى إسلامية.
إذاً ما هي الفوارق بين الحالتين؟
فرق الإنجاز بين الحزبين يأتي في الطليعة. بينما فشلت حركة "الإخوان" في ترجمة وعودها من تحسين الوضع الاقتصادي في مصر، بسبب مضايقات بقايا الحكم الرديء السابق بسلاحه الإعلامي وغيره، نجح أردوغان منذ توليه عمدة إسطنبول عام 1994 لأربع سنوات من جعل المدينة مركز الاستقطاب السياحي الأول في المنطقة، فضلاً عن ما حققته حكومته من إنجازات باهرة تاريخية، ورؤية مستقبلية تبشر بمزيد من الإنجازات.
الفارق أن حركة الإخوان في مصر أثقلت نفسها وحملت أكثر مما تحتمل، بينما تدرجت الحركة في تركيا من إنجاز بلدي، إلى حكومي ثم إلى نجاح عام؛ هذا ما جعل الأحزاب المعارضة في تركيا عموماً تقف إلى جانب الشرعية ضد الانقلاب خجلاً، وإيماناً منها بإنجازات الحكومة طيلة فترة 15 سنة. بينما وقفت المعارضة في مصر إلى جانب "المؤسسة العسكرية" في انقلابها متحججة بفشل حكم الإخوان في مصر، وأخذها إلى الهاوية.
أيضاً تاريخ الحركتين من أهم الفوارق؛ فحركة الإخوان في تركيا لم تعرف ما شهدته توأمتها في مصر. الأخيرة تُتهم من قبل المعارضين والعسكر أن الفصائل التي تبنت العنف و"الاغتيال السياسي" واستهداف السياح خرجت من صُلبِها، وقد روّج الإعلام المعارض لهذه الفكرة في الداخل والخارج على حد سواء لدعم حجته بالإطاحة بحكمهم.
لا يُمكِن أيضاً استثناء الفارق بين الخطابين؛ فخطاب حزب العدالة والتنمية في تركيا التزم بالمناداة بـ"حكم القانون" واحترام الشرعية ورفع العلم التركي حصراً، فألزم المعارضة بالوقوف إلى جانبه. بينما فشل الإخوان في مصر في هذا المجال، واستخدم بعضهم لغة "التكفير" على المنابر مما استفزّ الكثير من المعارضين فضلاً عن الأقليات (الأقباط) ليتوحدوا مع العسكر في مطالبتهم بالإطاحة بحكمهم.
لا شك أن ما حصل في تركيا ومصر سيكون درساً لحركة "الإخوان المسلمين"، فرغم أن ولادة هذه الحركة أتت في مصر عبر زعيمها الملهم حسن البنا، فشلت في بلدها الأمّ، بينما نجحت نجاحاً باهراً حتى اليوم في تركيا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.