أصر بشار الأسد على تأدية صلاة عيد الأضحى في مسجد "سعد بن معاذ" الصغير في مدينة "داريا" بريف دمشق، وفي مشهد تمثيلي ركيك دخل "سيادة الرئيس" إلى المسجد المهدم وشبه الخاوي من غير ثلة من رجال دولته ووزرائه، ومفتي دياره، ووزير أوقافه، وبعض قادة البعث، وبضعة نواب في مجلسه المنتخبين "ديمقراطياً"، الذين كانوا في استقباله "كما جرت العادة" في أيامه الخوالي..
وبعد السلام بدأ يلوّح بيده ويلتفت يميناً ويساراً وكأنه يحيي المئات أو الآلاف من المصلين "الغائبين" في المسجد "الحاضرين" ربما في خياله، كان يسير قليلاً ثم يقف برهة ليتحدث مع هذا، ويسلم على ذاك، ليبدو وكأنه رئيس محبوب يطوف بين أفراد شعبه ليطمئن على أحوالهم وليس طاغية محاطاً بالعشرات من الحرس في اللباس المدني وهو بين رجال دولته!
وقف الإمام ونادى: "الصلاة جامعة"، فاصطف من حضر يتوسطهم "سيادة الرئيس المفدى"، وجوه مرتبكة يسومها كثير من التخبط رغم افتعالها الفرحة والسعادة، وحركات كثيرة مرتبكة لا داعي لها تحاول جاهدة إخفاء ما اعترى النفس من وجل، وما إن انتهت صلاة علية القوم ببعض الأخطاء الطفيفة، حتى صعد "الأفيوني" مفتي دمشق والأرياف على شبه المنبر الذي هدم معظمه، فلم يجد في جوفه شيئاً يرائي فيه سيده وولي نعمته الحاضر أمامه، سوى أن كبر عشر تكبيرات متتاليات (ولا أدري هل كبر الله على القاتل أم المقتول؟) ثم أخرج ورقة من ثيابه ليقرأ عليهم ما كتب له حرفياً.
استهل "الأفيوني" خطبته بنقد لاذع للسعودية وقيادتها، بسبب منعهم السوريين من الحج هذا العام وللمرة الخامسة حسب ادعائه! رغم أنه لم يصدر أي قرار من قبل السعودية بهذا الشأن، ثم عرج في خطبته على مدينة "داريا" الخاوية من أهلها ودوابها، فحمل أهلها الغائبين المشردين مسؤولية ما حدث فيها، وما آل إليه مصيرهم المفجع، ناسياً أو بالأحرى متناسياً عدد الجيوش المتكالبة التي استدعاها نظامه من كل حد وصوب للاستعانة بهم على شعبه.
نعم، وفق شريعة النظام السوري وشيوخه أصحاب "العمائم البيضاء"، لا أحد يحمل وزر الدمار المفجع الذي حل بالمدينة وكأن أصابها زلزال، سوى أطفال داريا ونسائها والشيوخ! الذين حاصرهم جيش النظام وقطع عنهم الماء والغذاء مدة طويلة، والذين قُصفت ديارهم فوق رؤوسهم وانتهى الأمر بطردهم من أرضهم وبيوتهم! لا لذنب سوى أن داريا كانت من أوائل المدن الريفية التي خرج أهلها في مظاهرات ضد الأسد ونظامه.
رغم الجهود الجبارة التي بذلها الأسد ومن معه لتأدية "مسرحية صلاة العيد" على الوجه الأكمل، ورغم حرص الأسد الشديد على أن يكون ظهوره في هذه المناسبة ظهوراً مغايراً تماماً عما جرت عليه العادة، من حيث ارتدائه لملابس فاتحة اللون بلا رابطة عنق، وكيفية وصوله المسجد وهو يقود بنفسه سيارة "باجيرو" بلا حراسة، وطريقة صعوده درج المسجد مهرولاً، إلا أنه فشل فشلاً ذريعاً في الوصول إلى مبتغاه، ذلك لأن كل من شاهده وزبانيته أحس بسماجة هذه المسرحية المفبركة على حساب أشلاء جثث بريئة شاهدها كل منا عبر شاشات التلفاز مذ أيام معدودات فقط!
لذا فإن الرسالة التي أراد الأسد تمريرها للعالم من خلال شاشات إعلامه حصرياً، مفادها بأنه يتمتع بقدر كبير من الراحة والثقة بالنفس لم تصل إلى أحد.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.