ما إن تحررت ناحية القيارة الاستراتيجية (60 كلم جنوب الموصل مركز محافظة نينوى) شمالي العراق، من سيطرة تنظيم "داعش" في 25 أغسطس/آب الماضي حتى بدأت الحياة تدب فيها من جديد، وعاود السكان أعمالهم وهواياتهم دون خوف أو رقيب.
الناحية (مجموعة قرى) شهدت افتتاح أول مقهى شعبي باسم "التحرير" ارتاده عشرات الشباب الذين عادوا لممارسة الألعاب الشعبية، الطاولة، والدومينو، التي حرموا منها طيلة الفترة التي سيطر فيها التنظيم الإرهابي على الناحية.
يقول صاحب المقهى مهند حامد السبعاوي: "في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2014 قدم إلى مسلحون يرتدون الزيّ الأسود ويستقلون عجلات (مركبات) مثبت عليها علم التنظيم وطلبوا مني إغلاق المقهى نهائيًا على اعتبار أن عمله حرام شرعًا وإن لم أستجب لأوامرهم سوف يتم قتلي على الفور".
وأضاف السبعاوي: "اضطررت لغلق المقهى ونقل أثاثه للمنزل وتخزينه بإحدى الغرف وتحويل نشاط المقهى إلى بيع الأدوات المنزلية، ومن ثم إغلاقه بسبب الركود الاقتصادي".
وتابع: "بعد أن تم تحرير الناحية عدت مجددًا لفتح المقهى وممارسة عملي السابق، وفي يوم الافتتاح لم يكن هناك مقعد خالٍ من الزبائن، حيث امتلأ المكان عن آخره وأجزاء واسعة أخرى محيطة به".
الجلد والسجن عقوبة
ومنذ سيطرته على محافظة نينوى في يونيو/حزيران 2014، منع تنظيم "داعش" التدخين وعاقب بالجلد والسجن الأشخاص الذين يقبض عليهم وهم يدخنون، وفي بعض الأحيان عاقب التنظيم الأشخاص الذي يقبض عليهم أكثر من مرة وهم يدخنون بعقوبة قطع إصبعي السبابة والوسطى.
من جهته، قال مدير ناحية القيارة، صالح الجبوري، إن "السكان بدأوا يشعرون بالأمان وبدأوا تدريجيًا في العودة للحياة الطبيعية، البعيدة عن المظاهر المسلحة"، موضحًا أن مجموعات من شباب الناحية نظموا فرقًا تطوعية لإعادة تأهيل المنتزهات والحدائق العامة والأماكن الترفيهية ورفع الأنقاض ومخلفات المعركة من الشوارع الرئيسة والأماكن التجارية.
وأضاف الجبوري أن الناحية "ستكون في القريب العاجل مكانًا آمنًا للسكان جميعًا، وملتقى للتبضع، ومنطلقًا للحركة التجارية بين الموصل وباقي مناطق العراق الأخرى".
وبحسب مسؤولين سياسيين وعسكريين عراقيين فإن 90% من البنى التحتية لم تتضرر بالناحية "لما اتسمت به العمليات العسكرية أثناء معركة التحرير بالدقة العالية".
العميد نعمان العبدالله، مسؤول قطاع الحركات العسكرية (الآليات وكل ما يتعلق بتنقل القوات)، في ناحية القيارة قال: "إن القوات الأمنية المتواجدة في الناحية هدفها حماية السكان والحفاظ على أمنهم وراحتهم"، لافتًا إلى أن "افتتاح مقهى شعبي في الناحية يعد انتصارًا مهمًا للحياة مهما حاول العدو (داعش) أن يقتلها".
وأشاد العبدالله بتعاون سكان القيارة مع القوات الأمنية لمنع العودة إلى المربع الأول (في إشارة للأوضاع قبل 10 يونيو/حزيران 2014)، عندما كانت هناك فجوة كبيرة جدًا بين القوات الأمنية والأهالي.
منطقة استراتيجية
وتُعد القيارة أكبر ناحية في محافظة نينوى، حيث يبلغ عدد سكانها 250 ألف نسمة، 100 ألف منهم يعيشون بمركز المدينة، هرب منهم نحو 80 ألف نسمة مع دخول "داعش" للمدينة في 2014، حسبما قال مدير ناحية القيارة صالح الجبوري لـ"الأناضول" في وقت سابق.
كما أنها منطقة استراتيجية لما لها من أهمية من الناحية التكتيكية والدعم اللوجيستي في المعركة العسكرية المرتقبة لتحرير الموصل، فضلاً عن أنها تضم مصفاة للنفط كان ينتج 16 ألف برميل من المشتقات النفطية يوميًا، وأحد أكبر الحقول النفطية الذي يضم عددًا من الآبار النفطية.
وأضاف الجبوري: "3000 عائلة فقط (نحو 15 ألف نسمة) عادت لقرى الحاج علي وقرى أخرى ضمن القيارة، ولكن كمركز المدينة لم يعد أحد حتى الآن لحين إكمال الإجراءات الأمنية والسماح لهم بالعودة من قبل قيادة العمليات التي تعمل على إزالة الآلغام وتطهير المدينة من مخلفات الحرب".
والسبت الماضي أعلن عضو مجلس محافظة نينوى، مروان الزيدان، عودة ألف عائلة نازحة (نحو 5000 نسمة) إلى منازلهم بقرى ضمن ناحية القيارة، موضحاً أن "العوائل جاءت من محافظة كركوك وأربيل (شمال) ومخيم ديبكة أيضًا ضمن قضاء مخمور (بنينوى) بعد أن جرى تدقيق مواقفهم الأمنية".
وتدقيق المواقف الأمنية يعني حصول النازحين لدى مغادرتهم المخيمات على موافقة أمنية من الجهات المسؤولة في المخيم، بحيث يبرزونها للجهة الأمنية المسؤولة عند الوصول إلى ديارهم، وذلك لإثبات أنهم نازحين، ولمنع تسلل عناصر "داعش" بينهم.
وتضم القيارة عدة قرى أشهرها: الحود، لزاكة، الزاوية، اركبة جدعة، اركبة شرقي، اركبة غربي، اجحلة، والإمام غربي، المرير، الصعيوية، السرت، وإلى الجنوب من مدينة القيارة بحوالي 40 كيلومتراً تقع قلعة آشور الشهيرة، الموجودة آثارها إلى الآن في قضاء الشرقاط التابع إلى محافظة صلاح الدين.
وأعلنت الحكومة العراقية في 25 أغسطس/آب الماضي عن استعادة القيارة التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش، بعد عمليات عسكرية تمكنت من خلالها القوات العراقية من اقتحامها وتحريرها خلال 3 أيام.
وبدأت الحكومة العراقية في مايو/أيار الماضي، بالدفع بحشود عسكرية قرب الموصل التي يسيطر عليها "داعش" منذ يونيو/حزيران 2014، ضمن خطط لاستعادة السيطرة عليها من التنظيم، وتقول إنها ستستعيد المدينة قبل حلول نهاية العام الحالي.