معنى أن تكون ناشطاً اقتصادياً

لا يحتاج الأمر لكثير جدال لإثبات حركية اقتصاد الظل والهامش وتزايد مساحاته على جسد الاقتصاد السوداني؛ لأنه سرق الضوء من أغلب القطاعات الاقتصادية، بداية بالصيرفة وتحويل الأموال بعيداً عن المصارف

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/28 الساعة 04:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/28 الساعة 04:16 بتوقيت غرينتش

ظلت كثير من الاقتصادات العربية تراوح مكانها منذ فترة طويلة دون أن تحدد وجهتها التي ستفضي بها إلى نهايات سعيدة، السعادة في هذه الحالة ليست مطلباً، لنقُل إن النهايات المرجوة هي نهايات معقولة تكفي لاستقرار الأوضاع على ما هي عليه حتى لا تتردى نحو الأسوأ، لكن أتدرون ما هو الأسوأ أن يتحول الاقتصاد الرسمي المرعي من جهة الدولة إلى شيء حارق لا يمكن لمسه، شيء دخاني لا يستطيع أن ينتج ظلا يحتمي به الناس.

لو أخذنا السودان نموذجاً، لوجدنا أن الاقتصاد الرسمي الملتزم بقوانين الدولة قد أصبح مثل (الشمس الفاقعة) تنظر إليك ولا تستطيع أن تبحلق فيها، ولهذا هاجر أغلبية المسحوقين إلى اقتصاد الظل، وهاجر مع هؤلاء المعدمين أصحاب المطامع من المترفين شوقاً إلى اقتصاد الظل البارد ليكونوا في رأس الإمبراطورية ويتحول الجماهير إلى (شغيلة) تنتفع دون أن تمتلك أو تبلغ من الثروة مبلغ مَن يملك زمام المبادرة ليعيش حراً وكريماً تحت سماوات اقتصاد الظل أو أن يستطيع المنافسة إذا فكر في الدخول على مملكة الاقتصاد الطبيعي التي لا تحتفي قوانينها بأمثاله من البسطاء في التعليم والسلطة والثروة.

حين تغيب عن الناس شمس الحرية يلجأون إلى ظلها، فعلها الناس مع الاقتصاد السوداني، أصبح الدخول في دورة الإنتاج اليومي في السودان مشابهاً لدخول سجين جديد في متاهات سجن عتيق، ترميك القوانين أيها الداخل الجديد في بطن السجن وأنت مكبل اليدين والقدمين ويقول لك الاقتصاد اشتغل، وتقول لك الحكومة هات ما عندك، وتظل تشتغل وتعطي ما عندك للحكومة حتى يصيبك اليأس والفلس، وحتى تصيب الحكومة التخمة والفساد، وحينها تضطر إلى الهرب من السجن القديم بحثاً عن ظل اقتصاد آخر موحش وكاسر.

لكنه في نفس الوقت أرحم من اقتصاد الحكومة الذي يقيد حريتك في الاختيار والعمل، ويستنفد إنتاجك مرة بعد أخرى، إلى أن يتحداك اقتصاد الظل ويفتح لك الهامش ذراعيه لترتمي في أحضانه مثل كثيرين قبلك فعلوها وما زالوا يعيشون في أمان الله بعيداً عن حريات الحكومة الاسمية الممنوحة بموجب القانون والمسلوبة بموجب الممارسة الجشعة المعتمدة في تسيير أمور الدولة على جيوب المواطنين لا على عرق جبين الحكومة المنتخبة لرعاية حق المواطن وتنميته وخدمته وإعطائه لا الأخذ منه.

لولا اقتصاد الهامش لضاقت الأرض على كثير من المواطنين، ولولا ظله الظليل لأحرقت شمس الاقتصاد الرسمي جباه الباحثين عن العيش الكريم واللقمة الحلال في السودان.

لا يحتاج الأمر لكثير جدال لإثبات حركية اقتصاد الظل والهامش وتزايد مساحاته على جسد الاقتصاد السوداني؛ لأنه سرق الضوء من أغلب القطاعات الاقتصادية، بداية بالصيرفة وتحويل الأموال بعيداً عن المصارف، وتحريك العملة الصعبة بدون الحاجة للبنك المركزي، وتسيير بيع وشراء السلع والخدمات بلا داع لرقابة ضرائب أو تصديقات حكومية وغيرها من النشاطات الاقتصادية التي باتت ممارستها خارج ظل الحكومة أسهل وأنفع.

هل تراني أزيّن للناس هذه الحالة التهميشية للنشاط الاقتصادي في السودان؟! حاشا لله، فكلنا نعرف أن مثالب اقتصاد الظل/ الهامشي/الأسود/غير المنظم/غير الرسمي/ التحتي/ الخفي أكثر من حسناته، لكن ماذا يفعل الناس في بلاد أسهل شيء فيها أخذ الحرية، حريتك في أن تعيش وفي أن تتمتع بالتنمية وفي أن تكون ناشطاً اقتصادياً. أنا أدعو فقط لمنح الناس حرياتهم الاقتصادية كاملة غير منقوصة من دون أن تجمل الحكومة عيون قوانينها برموش اصطناعية لتبدو جميلة وجذابة بينما عيونها تتغزل في جبايات الناس واقتصادهم.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد