قالوا: يا فرعون، إيش فرعنك؟ قال: ما لقتش حد يلمّني.. وفي قول آخر: لقيت الشعب المصري للكرسي بيزقني.
هكذا يفعل الشعب المصري مع من يحبه حتى وإن كان غير جدير بهذا الحب.. فالشعب المصري يحقق رقماً قياسياً ويمتلك تاريخاً مطولاً من صناعة الديكتاتوريين والجبابرة الفراعنة.. ولعل المشكلة الأساسية لهذا الشعب تكمن في عاطفيته المفرطة التي تحول دون رؤيته لحقائق الأمور وتدفعه دفعاً لتحويل أي شخص لإله مُنزه عما هو خاطئ، بل والأدهى أن هذا الشعب لا يعامل قادته المحبوبين كبشر يصيبون ويخطئون، بل يعاملهم كما لو كانوا "زيوس" أو رب الأرباب في الميثولوجيا الإغريقية.
لقد فُقعت مرارتي مراراً وتكراراً من ارتكاب المصريين لذات الأخطاء وبحثهم الدائم -ليس عن زعيم أو قائد حقيقي- بل عن جلاد أو طاغية يقودهم ويسوقهم سوق القطيع، فالكارثة ليست في ذلك الشخص الذي يطمح إلى أن يأخذ منصباً مهماً أو قيادياً في مصر، بل الكارثة في معاملة المصريين لهذا الشخص، وكيفية نظرهم إليه كما لو كان ملاكاً أُرسل إليهم لدرء العذاب أو رفع المهالك.
فالمصريون معروفون بحبهم للإطراءات المبالغ بها لدرجة ترفع أي شخص لمنزلة قد لا يستحقها، ولدرجة تكوينهم لقشرة زجاجية أو غلاف خارجي هش من الإطراء المزيف حول أي شخص، وسرعان ما يتقلب مزاجهم فينقلبون ضد هذا الشخص، ويستمتعون بتهشيم تلك القشرة وذلك الشخص!
وهناك أسس مميزة يستخدمها المصريون في صناعة الديكتاتور، فهذه الصناعة هي فن وعلم وهندسة يتميز بها هؤلاء القوم، وإليكم القواعد العشر لكيفية صناعة ديكتاتور من الطراز الأول:
1- التطبيل شيء أصيل: وهناك نوعان من التطبيل؛ التطبيل الجماهيري، وده من جانب الحشود الغفيرة المؤيدة ودول بقى أصحاب شعارات: زعيمنا عمهم وحابس دمهم، ده كبير وكلامه خطير، ده قوي بالطول والعرض وهيهز الأرض!! ويبدأ التأليف في العبارات والكلمات، وتحس إنه جو مهرجان شعبي قالب على حنة عروسة! وأسلوب غاية في الابتذال بغرض إرضاء أي زعيم ينفخه المصريون نفخاً زائفاً، أما النوع الثاني فهو التطبيل الإعلامي، وأود الحديث عنه في النقطة الثانية.
2- الإعلام هيخليك في التمام: التطبيل الإعلامي ليس له مثيل، فهو شيء جميل لأي ديكتاتور أصيل، أي ديكتاتور طبعاً لازم يجيب له فرقة إعلامية متكاملة للتمجيد في أعماله وإنجازاته، يُطلِق قنوات تابعة له تقوم بأداء مهمة التطبيل أو يكون أكثر ذكاءً ويضغط على قنوات أخرى تقوم بتلك المهمة كما لو كان بعيداً عن الصورة.
3- معارضة أراجوز لوز اللوز: فيه ديكتاتور ذكي يجيب معارضين مزيفين ويخليهم ديكور، قال يعني بيحترم مبدأ الرأي والرأي الآخر، مع إنه كله بالاتفاق، ومفيش أي خناق، وكله تمثيل، كل الحكاية شوية كومبارس وأراجوزات في مسرحية الديكتاتور كل واحد فيهم ليه دور محسوب لا يتخطاه، والمسرحية كلها تأليف وإخراج الديكتاتور، والجمهور بس هو اللي بيتضحك عليه!
4- صورك في كل مكان وكتير كمان: الديكتاتور طبعاً صوره لازم تكون في مصر مغرقة كل حوائط المنشآت الحكومية، وربما غير الحكومية كمان، تحسه فرد من العائلة.. صورته مقدسة ولازم تتحط في أي حتة.
5- احشد.. احشد: أهم حاجة الحشود الغفيرة والقدرة علي إظهار هذا الحشد، سواء أكان كثيراً أم قليلاً، على أنه رأي الأغلبية المطلقة والساحقة ونعيش في دوامة صمت تبلع الأقليات والآراء المعارضة وتفنيهم عن بكرة أبيهم.
6- قبضة أمنية محترمة جداً: طبعاً السيطرة على الأمن والقوات النظامية وخلافه وإعادة هيكلتهم وفقاً لمبادئ الديكتاتور وعمل غسيل أدمغة محترم ليهم، بحيث يكون الولاء الأول للديكتاتور إلا مَن رحم ربي.
7- حُط أنصارك في كل حتة: الهدف هو أن يسيطر الأنصار الكبار على مواقع اتخاذ القرار والوزارات الحيوية لحين الاستعانة بهم وقت اللزوم، وللتحكم أيضاً في الحشود السابق الحديث عنها، وإدارة الدولة على صغير كأنك تصنع دولة بداخل الدولة.
8- حزبك جوَّه الساحة واتمختر انت بالراحة: طبعاً المؤسسة أو الحزب أو الكيان الذي ينتمي إليه الديكتاتور لا بد أن يستحوذ على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتتصدر نشاطاته النشرات الإخبارية، ولا عزاء للقطاعات الشعبية المطحونة بصورة يومية.
9- برَّه أهم من جوَّه: الديكتاتور يخشى أن يراه العالم في صورة ديكتاتور؛ لذا يسعى لمخاطبة الرأي العام العالمي ويبين أن المناخ ديمقراطي وسليم، وأن الحياة مستقرة، وكل شيء على خير ما يرام، وإذا حاول الأجانب المجيء للتحقق من الأمر يخصص لهم وفوداً خاصة ترافقهم للأماكن "اللي على مزاجه" اللي تبين استقرار وتميز الدولة للتدليل على إدارته الحكيمة وسياسته القويمة.
10- طالما الشعب مصدق ومتكيف يبقى خلاص: Game Over إذا كان الشعب راضي مالك انت يا قاضي؟! طالما الشعب شايف سياسة الديكتاتور كويسة والدنيا تمام خلاص هيكمل كده؛ لأن مشكلة الشعب المصري أن ذاكرته ضعيفة بينسى العداوة بسرعة، ولديه القدرة على تصديق أي تطبيل، بل والمشاركة فيه بفاعلية ونازل بإمكانية السير مع التيار الرائج حتى لو وقع في شلال أسود ومهبب وسحيق المدى.
خلاصة القول: الديكتاتور هيفضل ديكتاتور؛ لأنكم صنعتوا له بريق زائف بيتحول لحِصن منيع بيحاربكم من وراه وقت اللزوم، فحاولوا تتجنبوا صناعة الديكتاتور، وعاملوا كل شخص في أي منصب قيادي على قدر حجمه، وحاسبوه على قدر أفعاله، وافتكروا إن التطبيل والزيطة هيلبسنا كل مرة في سد وحيطة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.