على نحو مفاجئ وبعد انقطاع دام عامين، قررت إدارة جامعة الخليل أن تعقد انتخابات مجلس اتحاد الطلبة في التاسع والعشرين من الشهر الجاري سبتمبر/أيلول لعام 2016، على أن تكون انتخاباتٍ لفصل دراسي واحد لمدة ستة أشهر، وفق تغيير شامل لقوانين العملية الانتخابية، ودون الرجوع للكتل الطلابية أو إعطائها الحق في الاعتراض على القوانين الجديدة التي تمثلت بكون الترشح للانتخابات فردياً وليس على شكل قوائم أو كتل طلابية.
ولعل القارئ يتساءل عن العلاقة بين تغيير قوانين إجراء انتخابات مجالس الطلبة وضرب الحركة الطلابية بوصفها طليعة الحركة الوطنية الفلسطينية شبه الوحيدة في المرحلة الراهنة. والإجابة تتمثل ببساطة في محاولة تهميش هذه الكيانات الشبابية الفاعلة والمنظمة لصالح تعزيز نزعة العمل الفردي غير القائم على أهداف سياسية أو وطنية، وهو ما يشبه إلى حد بعيد تغليب فكرة التكنوقراط على حساب الأحزاب الوطنية في مرحلة حساسة من النضال الوطني ما زال الشعب الفلسطيني يخضع فيها للاحتلال في كافة جوانب حياته.
لقد كانت الحركة الطلابية الفلسطينية بمكوناتها الهوياتية والأيديولوجية والسياسية مذ وجدت في نهاية أربعينات القرن الماضي الإطار المؤسساتي الأول الذي عمل على خلق حالة عميقة من الوعي السياسي لدى شريحة الشباب داخل الجامعات والمعاهد وخارجها، كما كان لها الدور الطليعي في تنظيم وقيادة الاحتجاجات الشعبية والعمل المقاوم ضد الاحتلال، إضافة إلى تحصيل الحقوق النقابية للطلبة الفلسطينيين. كل ذلك لم يتم من خلال أفراد مهما بلغت قيمتهم الكاريزمية وعملهم الخدماتي لصالح الطلبة، وإنما كان نتيجة وقوف كيانات سياسية فلسطينية منظمة خلف العمل الطلابي برؤية وطنية سياسية عميقة وأهداف استراتيجية بعيدة المدى.
إن محاولة تحييد الحركة الطلابية الفلسطينية عن قيادة جموع الطلبة في معاقلها (الجامعات) هو استكمال لتحييدها عن قيادة الجماهير خارج المجتمع الجامعي، والتي بدأت منذ توقيع اتفاقات أوسلو، لتحل مؤسسات السلطة الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني (الممولة خارجياً) محل الحركة الطلابية في التأثير على الجماهير الفلسطينية خارج أسوار الجامعة، ومنذ ذلك الحين بدأ دور الحركة الطلابية بالانحسار. لكن الحركة الطلابية على الرغم من الظروف المحيطة حافظت على قيادتها للعمل المقاوم الشعبي منه والمسلح، وظهر ذلك جلياً في أحداث النفق عام 1996، وأحداث جبل غنيم عام 1997، والانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 والموجة الانتفاضية الحالية منذ نهاية عام 2015 حتى يومنا هذا، وإخال أن وجود مجلس طلبة ليس له بعد سياسي أو أجندة وطنية إنما يفت في عضد الحركة الطلابية ويعيقها عن تتمة هذا الدور الذي لم يبق أحد على الساحة الفلسطينية قادراً على القيام به غيرها في ظل الظروف الراهنة.
وقد يعتبر البعض أن مثل هذه التحليلات تعد مبالغة في تحليل أسباب مثل هذا القرار المفاجئ الذي اتخذته الجامعة، وقد يقول البعض إنه ليس هناك في القوانين الجديدة ما يمنع الطلبة المؤطرين أو المنتمين سياسياً من المشاركة، ولكن بجهودهم الفردية، غير أن تحليلاً بسيطاً لبنود التعليمات العامة الواردة في القانون الجديد تؤكد ما ذهبنا إليه من محاولة تحييد دور ودعم الكتل الطلابية لأي من المرشحين وجعل المرشح منقطعاً عن أي دعم حزبي أو طلابي مؤطر؛ حيث ورد في البند الأول من التعليمات العامة أنه "تمنع أي جهة دعم خارجية أو داخلية من تقديم أي نوع من أنواع المساعدة لأي من المرشحين وطلبة الجامعة إلا بموافقة رسمية من إدارة الجامعة".
وهل كان يخفى على جامعة الخليل وبقية الجامعات أن الانتخابات الطلابية منذ تأسيسها في مطلع ثمانينات القرن الماضي كانت تتم بدعم مادي وأيديولوجي من الحركات السياسية الفلسطينية الرئيسية؟ وهل توقعت في يوم من الأيام أن يكون الطالب قادراً على القيام بتكاليف الحملات الانتخابية أو النشاطات الخدماتية والنقابية التي يقدمها للطلاب من جيبه الخاص وهو الذي لم يدخل سوق العمل بعد وليس قادراً على دفع قسطه الجامعي دون مساعدة أهله! وهل تتوقع الجامعة أن يقوم الطلبة بالكشف عن مصادر الدعم التي تحظى بها الكتل الطلابية لا سيما تلك التي تتعرض للملاحقات الأمنية من قبل الاحتلال والأجهزة الأمنية الفلسطينية؟! إن بنداً تعجيزياً كهذا البند يعد دليلاً قوياً على أن الجامعة إنما هدفت من وراء تغيير قوانين الانتخابات الطلابية إلى تحييد الحركة الطلابية ورفع يد الحركة الطلابية عن تمثيل الطلبة بشكل نهائي.
وقد اعترضت كافة الكتل الطلابية في جامعة الخليل، بما فيها حركة الشبيبة الطلابية الذراع الطلابية لحركة فتح، على هذه القوانين الجديدة، غير أنه ليس من المعلوم بعد إن كانت ستقاطع هذه الانتخابات أو تقوم بخطوات احتجاجية أخرى. لقد باتت المؤشرات واضحة على أن الجامعات الفلسطينية بمن فيها تلك التي تتبع إدارتها لحركة فتح غير معنية بوجود أي قوة للحركة الطلابية ولو كانت من مؤيدي نهج أوسلو، وذلك لتنامي اعتراض شريحة الشباب على السياسة العامة للسلطة الفلسطينية ومحاولة سلخ نفسها عن أفعال السلطة لا سيما قضية التنسيق الأمني، وقد ظهر ذلك جلياً في الانتخابات الطلابية الأخيرة في جامعتَي بيرزيت والبوليتكنيك عندما أغفلت حركة الشبيبة الطلابية (متعمدة) رفع صور لرئيس السلطة محمود عباس وتغافلت عن ذكره وتمجيده بينما كانت معظم دعايتها منصبة على التركيز على نهج المقاومة والسير على خطى زعيم الحركة الأول "أبو عمار".
ولعله من الغريب أيضاً أن تتزامن معضلة انتخابات جامعة الخليل مع معضلة احتمالية إلغاء الانتخابات البلدية التي كان من المقرر عقدها في الثامن من شهر أكتوبر/تشرين الأول القادم، ويبدو أن قضية تسريع الانتخابات أو تأجيلها أو حتى تعطيلها في الأراضي الفلسطينية باتت رهن مزاج ومصالح صانعي القرار كل في موقعه، ابتداء من إدارات الجامعات، مروراً بقيادات بعض الأحزاب الفلسطينية، انتهاء بإدارة السلطة الفلسطينية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.