هي الذكرى الموسومة بدماء الأطفال والشيوخ والنساء، وبغدر الخصوم والأعداء، "صبرا" تنادينا كل سنة، فتوقظ غفلتنا وتقض مضاجعنا الدافئة وتصرخ من قلب التاريخ، لترسل إلينا رسالات تحذير من أن نخون هذا الماضي الجريح.
"صبرا" لم تنم، ودماؤها لم تجف، والخونة هاهنا والقتلة هاهنا والوارثون لجريمة الغصب والتناسي هاهنا، "صبرا" هي الأمل، وهي التاريخ، وهي الجغرافيا، وهي الحرية في دواخلنا، وهي الحبل الموصول الذي يجعلنا قابضين على جمر المقاومة والصمود والصراخ بملء أفواه الشرفاء.
الصهيونية لا خير فيها، والاستبداد الذي سكت عن "صبرا" وعن "تل زعتر" وعن "دير ياسين" وعن "قانا" وعن "غزة" وعن "جنين" لا خير فيه.
"صبرا"، سأعانق كل هذه الأجساد التي تمرغت في أرضك الطيبة، وسأبكي حزناً للفراق وأفرح حباً في العناق، وأغضب أملاً في اللقاء، فأحباب "صبرا" وعائلات "صبرا" وجثث "صبرا" ودماء "صبرا" كلها مني وأنا منها، لن أغير من جلدي الحاقد لمن اغتصب وقتل، وأنسى وتناسى وخدر ولعب بنار الذاكرة اللهيب.
الآن يا "صبرا"، تباشير الخير زفّت ونحن في الطريق، نعم في الطريق، الآن يا "صبرا" عرفنا الطريق، لن يلتقي بعد الآن شعار التحرير إلا بالتحرير، ولن يكون للحرية وجود إلا بالحرية، ولن تنعم أرض طيبة إلا بالطيب من الأشياء، ولن تخدعنا من الآن عبارات التنديد والتهديد والممانعة والمقاومة إلا بتحرير الأرض من المحتل وتحرير الإنسان من كيد الاستبداد، بل من الاستبداد ذاته؛ لأنه كل كيد في كيد، وشر في شر.
يا لغباوة حسابنا للأيام والشهور والسنين، تمر علينا كل هذه السنين، فنكتشف أن الأرض معتقلة، وحريتنا معتقلة، وتدور الأيام فتصفعنا حقيقة صهيونية، "بيغين ثم شارون ثم شيمعون ثم رابين ثم باراك ثم أولمرت ثم نتنياهو…"، لعنات بعضها من بعض، ومع هذه اللعنات نكتشف هزيمتنا وذلنا وهواننا، حين ندرك بعد أيام، بل بعد شهور، بل بعد سنين أننا ما زلنا معتقلين أيضاً.
كذب مَن قال سنحرر فلسطين واللص بديارنا، والمجرم يتجول في شوارعنا، والخائن ينعم بهناء بين أظهرنا، تحرير الأرض طريقه تحرير الإنسان، ومنه المواطن، ومنه الإرادة العامة، ومنه ننطلق لنعانق أطلال "صبرا" التي انتظرت طويلاً استفاقتنا، صبراً أهل "صبرا"، وصبراً أهل "قانا"، وصبراً أهل "جنين"، وصبراً أهل "غزة"، وصبراً أهل "دير ياسين" و"تل زعتر" والقدس، ها هي الطريق قد عرفها العارفون والمجاهدون والمقاومون والمناضلون.
أفّ لكل مستبد تبجح بالتحرير وهو مستعبد للناس، أفّ لكل مجرم يعتقل ويجلد ويعذب ويندد ولا يستحيي حين يقول للصهاينة كفّوا عن الاعتقال والتعذيب، أفّ لكل منافق خائن يترنح بالليل ويترصد الظلام ويسبح في هواه طمعاً في عناق زائف وسلام يطعن في الظهر، أفّ لكل من لا زال ينشد أنشودة الغدر ويرعب بمقولة الفتنة لإدامة ظلم واستبداد منبع كل المآسي، ألا في الفتنة سقطوا، أفّ لكم جميعاً، والعزة والنصر والتحية كل التحية للأحرار، وللشعوب المنتفضة، وللأصوات المقاومة، ولشهداء الحرية، وللسائرين على دربهم، والمقتفين أثرهم إلى يوم التحرير والعزة وطرد المحتل الغاصب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.