خلال دور انعقاده الأول الذي امتد بين بداية عام 2016 والأيام القليلة الماضية، وافق مجلس النواب دون تغيير أو تعديل على الأغلبية الساحقة من القرارات بقوانين التي أصدرها باختصاص تشريعي مؤقت رئيس الجمهورية المؤقت عدلي منصور (يوليو/تموز 2013 – يونيو/حزيران 2014) ورئيس الجمهورية الحالي عبد الفتاح السيسي (يونيو 2014 إلى اليوم)، والتي بلغ عددها 342، وقضى دستور 2014 في مادته رقم 156 بضرورة مناقشتها لإقرارها أو إلغائها من قِبل مجلس النواب، صاحب الاختصاص التشريعي الدائم فور انتخابه وانعقاده.
لم يناقش المجلس على نحو تفصيلي سوى طيف محدود للغاية من القرارات بقوانين مثل ذلك المتعلق بالخدمة المدنية (القانون رقم 18 لسنة 2015)، وهو لم يقر حتى انتهاء دور الانعقاد الأول. بموافقتها على مئات القرارات بقوانين دللت أغلبية مجلس النواب بجلاء على هويتها كأغلبية موالية للسلطة التنفيذية صنعت على أيادي "الأجهزة السيادية" عبر قانون الانتخابات البرلمانية وتدخلات كثيرة أخرى.
وأثبتت محدودية اكتراثها بالعصف بضمانات حقوق المواطن وحرياته الذي يرتبه العديد من تلك "القوانين الرئاسية"؛ بل وأخلت في الجوهر بالفحوى الموضوعية للمادة 156 من الدستور التي تلزم المجلس "بالمناقشة" وليس مجرد التمرير والموافقة، وتخوله حق إسقاط القرارات بقوانين، إن بالتصويت الرافض أو بالامتناع الواعي عن المناقشة.
وربما كان القرار بقانون رقم 8 لسنة 2015، المسمى بقانون "تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين"، الذي أصدره رئيس الجمهورية الحالي في 24 فبراير/شباط 2015، من أخطر ما مرره مجلس النواب لجهة عصفه الممنهج بحقوق وحريات المواطن وانتهاكه لمضامين العدل.
يعرف القانون في مادته الأولى الكيان الإرهابي على النحو التالي: "الجمعيات أو المنظمات أو الجماعات أو العصابات أو الخلايا أو غيرها من التجمعات أياً كان شكلها القانوني أو الواقعي، متى مارست أو كان الغرض منها الدعوة بأية وسيلة داخل أو خارج البلاد إلى إيذاء الأفراد وإلقاء الرعب بينهم، أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو حقوقهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بالمواد الطبيعية أو بالآثار أو بالاتصالات أو المواصلات البرية أو الجوية أو البحرية أو بالأموال أو بالمباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها.
أو منع أو عرقلة السلطات العامة أو الجهات أو الهيئات القضائية أو مصالح الحكومة، أو الوحدات المحلية أو دور العبادة أو المستشفيات أو مؤسسات ومعاهد العلم، أو غيرها من المرافق العامة، أو البعثات الدبلوماسية والقنصلية، أو المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية في مصر من القيام بعملها أو ممارستها لكل أو بعض أوجه نشاطها أو مقاومتها، أو تعطيل المواصلات العامة أو الخاصة أو منع أو عرقلة سيرها أو تعريضها للخطر بأية وسيلة كانت، أو كان الغرض منها الدعوة بأية وسيلة إلى الإخلال بالنظام العام.
أو تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر أو تعطيل أحكام الدستور او القوانين أو منع إحدى مؤسسات الدولة أو إحدى السلطات العامة من ممارسة أعمالها، أو الاعتداء على الحرية الشخصية للمواطن أو غيرها من الحريات والحقوق العامة التي كفلها الدستور والقانون، أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو الأمن القومي".
تتضمن المادة الأولى، إذاً، صياغات مطاطية تقبل التطويع لتعقب المعارضين السلميين وإنزال العقاب بأصحاب التوجهات المختلفة مع سياسات وممارسات الحكم، وتفرغ من المضمون حق المواطن في التجمع السلمي وفي تكوين الجمعيات الأهلية والأحزاب السياسية، وكذلك الحريات الصحفية وحرية التعبير عن الرأي.
ففي ظل استحالة التعريف القانوني المنضبط لصياغات مثل "الإخلال بالنظام العام"، و"تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر"، و"منع إحدى مؤسسات الدولة أو السلطات العامة من ممارسة أعمالها"، و"الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو الأمن القومي"؛ تصطنع المادة الأولى وضعاً خطيراً يمكن من إطلاق الاتهام "بالإرهاب" باتجاه غير المرضي عنهم رسمياً دون ضوابط موضوعية.
ولأن المادة الأولى تعرف "الكيان الإرهابي" بالمرادفة الخالية من الضوابط الموضوعية بين "الجمعيات والمنظمات والجماعات والعصابات والخلايا وغيرها من التجمعات"، ولأنها تعين أيضا الأفراد الموصومين "بالإرهابيين" متبعة ذات النهج المطاطي، ولأنها تربط بين جرائم الإرهاب المفترض بها التورط في ممارسة العنف واستخدام القوة المسلحة وبين "الدعوة بأية وسيلة" (أي أن الوسيلة المعنية يمكن أن تكون سلمية) إلى الإخلال بالنظام العام وغيره من الاتهامات مطاطية الصياغة؛ فإنها تعني وضع الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية التي يصنفها الحكم "ككيانات معادية" ومعهم "الأفراد المعادون" من معارضين سلميين ومدافعين عن الحقوق والحريات تحت مغبة الإدراج على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين.
ثم تنظم المادة الثالثة اختصاص وإجراءات الإدراج على "قوائم الإرهاب" بالنص على اختصاص دائرة أو أكثر من دوائر الجنايات بمحكمة استئناف القاهرة، بنظر طلبات الإدراج على القوائم المقدمة من النائب العام والفصل فيها خلال سبعة أيام من تاريخ التقديم المستوفي للمستندات اللازمة.
الكارثي هنا، أولاً، هو أن القانون لم يجعل الإدراج على القوائم عملاً لاحقاً على ثبوت تورط الكيانات المعنية والأفراد المقصودين في جرائم إرهاب وفقاً لإجراءات قضائية نزيهة وشفافة، بل يحوله إلى ما يشبه التعاون الإداري بين جهتين قضائيتين هما النيابة العامة ودوائر الجنايات.
الكارثي هنا، ثانياً، هو أن القانون لم يحدد طبيعة ونوعية المستندات اللازمة لتقديم طلبات الإدراج وترك الأمر "إدارياً" لمكتب النائب العام ولدوائر الجنايات بمحكمة استئناف القاهرة. الكارثي هنا، ثالثاً، هو أن القانون لا يمكن الكيانات المعنية والأفراد المقصودين من التداخل في مسألة الإدراج قبل الانتهاء منها، وينزع عنهم من ثم الحق المنصوص عليه دستورياً وقانونياً في دفع الاتهامات ومناقشة الأدلة (أدلة الثبوت) وتقديم ما قد يدحضها.
بينما يحيل القانون في مادته السادسة حق "ذوي الشأن" في الطعن على الإدراج على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين إلى ما بعد صدور قرارات الإدراج، ويختص محكمة النقض (الدائرة الجنائية) بالنظر في الطعون دون تحديد فترة زمنية للفصل فيها، يرتب في مادته السابعة طيفاً واسعاً من الآثار التالية للإدراج على القوائم، والتي يقضي بتنفيذها الفوري دون استشكالات قضائية أو انتظار للطعون المقدمة أمام محكمة النقض ولنتائج الفصل فيها.
وتتراوح تلك الآثار بين حظر الكيانات المدرجة ووقف أنشطتها وغلق الأماكن المخصصة لها وحظر اجتماعاتها وتجميد الأموال المملوكة لها ولأعضائها، وبين وضع الأفراد المدرجين على قوائم المنع من السفر وترقب الوصول وإلغاء جوازات السفر وتجميد الأموال وفقدان شرط حسن السمعة والسيرة اللازم لتولي الوظائف والمناصب العامة والنيابية.
يمثل القانون رقم 8 لسنة 2015، قانون "تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين" والمعروف إعلامياً تحت مسمى قانون الإرهاب، أداة طيعة للغاية في يد الحكم لتعقب معارضيه السلميين حين يريد ولإنزال العقاب بمن يصنفهم ككيانات معادية وأعداء لتمسكهم بالدفاع عن الحق والعدل وبالتعبير الحر عن الرأي أو لوضعهم تحت مغبة التهديد الدائم بالتعقب والعقاب.
في معرض تقديمه لكشف حساب نهاية دور الانعقاد الأول، فاخر رئيس مجلس النواب "بالزمن القياسي" الذي وافقت به الأغلبية على العدد غير المسبوق من القرارات بقوانين التي عرضت على المجلس، و"بالعناية الفائقة" التي أولاها النواب لتمرير القرارات بقوانين الصادرة عن رئاسة الجمهورية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.