في الذكرى الأولى لثورة 25 يناير/كانون الثاني كنت معتصماً من قبلها بيوم في ميدان التحرير، وكان الاعتصام يضم أغلب القوى السياسية التي شاركت في الثورة، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين، في أواخر يوم 24 ظهر بعض الأشخاص غير المحسوبين على تيار بعينه، يرفعون علم "مصر الملكية"، فدخلت معهم في صدام أنا وعدد من "الرفاق"، وساعتها عدد من الإخوان اتخذوا نفس موقفنا.
وظلوا يقنعون رافعي العلم الملكي بأن هذا التصرف خطأ ولا يصح، لدرجة أن شخصاً إخوانياً ستيني العمر انفعل بشكل كبير على شخص كبير في السن أيضاً من رافعي عَلَم الملكية، بسبب أن هذا الشخص قام بإخراج لسانه لنا، ورغم خلافي بل ومناهضتي/رفضي لجماعة الإخوان وفكرها، لكن تصرف أفرادها في هذا الموقف احترمته.
وتمر السنوات ليعود الحديث من جديد حول تغيير العلم ويطالب حلفاء وداعمو من رفضوا تلك الأحاديث سابقاً ولم يهتموا بها في وقتها، بضرورة أن يتخلى كل معارض ومناهض للسلطة عن العلم الحالي ورفع علم "الملكية"، بحجة أنه العلم الذي اختاره الشعب في ثورة 1919، رغم أن هذا العلم لم يرَه الجيل الجديد أصلاً إلا في مشاهد الأفلام التاريخية، وكأن الشعب لم يرفع ويختار العلم الحالي منذ بداية الثورة في 25 يناير 2011 برفعه في كل الأحداث الثورية؛ ليكتسب بذلك طابعاً شعبياً ثورياً قبل أن يكون له طابع رسمي.
حجم الترويج لتغيير/استبدال العلم يستدعي بالضرورة الرد عليه، خصوصاً أن حالات تغيير العلم السابقة مرتبطة لدى الجماهير المصرية بالأحداث في ليبيا ثم سوريا، وما حدث ويحدث هناك من معارك دموية، ولا يمكن إهمال ذلك حتى لا يتم تصدير ما لا يصح تصديره للجماهير، مع الاعتبار أن عدم دراسة بعد الأفكار وقياس مدى تقبلها من الناس يعني توقيع الحكم عليها بالفشل مسبقاً، يقول ماو تسي تونج: "إذا عزمنا على شن هجوم قبل أن تعي الجماهير ضرورة الهجوم كان ذلك مغامرة".
الموقف السياسي خاضع لسيل من الموازنات التي يجب مراعتها لمواكبة تطلبات المشهد الحالي في مصر ومستجداته بما يضج به من رهانات وتحديات تفرضها طبيعة معترك الصراع مع السلطة، وأغلبية التيارات السياسية المعارضة في مصر الأن غير قادرة على استيعاب أنها دخلت في دوامة "الصفر فاصل" لا تمتلك التأثير ولو بقدر قليل في المشهد السياسي، ورغم فشلها لكنها تتجاهل الشروع في تقويم صريح وشجاع لتصرفاتها السابقة لبذل أقصى الجهود في صناعة مسارات أفضل.
وأن الكثير من الشعارات الرنانة التي ربما يدهش منها البعض ممن ظن -لقلة الاطلاع- أن انتصار الثورة يتحقق عبر تلك الشعارات الضخمة -الخالية من أي مضامين ثورية حقيقية- والانفعالات العاطفية التي لا تصب في صالح تحقيق إنجازات في الواقع، وتعمل على إعادة اجترار الوهم؛ لتستمر مرحلة "الشعارات الكثيرة والفعل القليل".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.