من الممكن رصد الحروب في الأرض منذ بداية التاريخ البشري، وكانت منطقة الشرق الأوسط هي المنطقة الأكثر ابتلاء بالصراعات والحروب.
ما هي الأسباب للحروب الحديثة في الشرق الأوسط؟
أسباب الحروب الحديثة في الشرق الأوسط باتت سياسية واقتصادية بغطاء إنسانى. بمعنى أن الحرب ممكن أن تعلن بسبب إرساء الديمقراطية والحريات وذلك الغطاء الإنسانى لها، ولكنها في الأغلب تكون أهدافها الخفية سياسية، ممكن أن تتمثل في توسيع النفوذ والسيطرة للدولة، واقتصادية للسعى لامتلاك الموارد الطبيعية والثروات.
يجب ألا ننسى أن هناك أشخاصاً ومؤسسات بعينها تعمل من أجل إشعال الصراعات للتربح من الحرب، فتجار وشركات السلاح هم أكثر من يستفيد من الحروب، فهم يمدون بالسلاح، وشركات إعادة الإعمار والبناء، فهم من عليهم إعادة بناء ما تم تخريبه في الحرب، ويحصلون على عقود وعمولات ضخمة، كل تلك أمثلة على التربح من الحرب.
العراق
مثال على الحرب السياسية/الاقتصادية هي حرب غزو العراق عام 2003 بقيادة الولايات المتحدة، انشغال الرأي العام الأميركي بما حدث في 9/11 كانت يمثل فرصة للحكومة الأميركية، فرصة لغزو العراق فكانت الولايات المتحدة تريد إبراز قوتها مجدداً، وكانت العراق العدو الأمثل لها سياسياً واقتصادياً؛ سياسيا لأن العداء والتوتر بين الولايات المتحدة وصدام حسين كان موجوداً لعقود، واقتصادياً لأن العراق كان يسيطر على 25 في المائة من احتياطي النفط في العالم، والاستحواذ عليه كان هدفاً اقتصادياً.
حاولت الولايات المتحدة خداع الرأي العام العالمي، فادعت بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل في ذلك الوقت، وكان ذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة، فبعد الغزو، تم تفتيش ومسح دقيق من قبل فريق متخصص يحتوي على أكثر من 1400 عضو بقيادة الولايات المتحدة، ولم يتم العثور على دليل على برامج أسلحة دمار شامل عراقية، مما أدى إلى جدل كبير في الولايات المتحدة وحول العالم، ومزاعم بأن بوش وبلير تلاعبا عمداً بالتقارير من أجل الضغط للغزو.
وبحسب وكالة الـ"سي.إن.إن"، فإنه قبل غزو العراق، كانت صناعة النفط المحلية العراقية مؤممة تماماً؛ إذ إنها عراقية مائة في المائة ومغلقة أمام شركات النفط الغربية، وبعد أكثر من عقد على الحرب، تم خصخصة النفط العراقي إلى حد كبير ويهيمن عليه تماماً الشركات الأجنبية؛ من إكسون موبيل وشيفرون لشركة بريتيش بتروليوم وشركة شل، ومجموعة من أكبر شركات النفط الغربية تعمل في العراق، بما في ذلك شركة هاليبرتون، الشركة التي مقرها بتكساس، وكان يديرها ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش في عام 2000.
سوريا
بدأت الحرب الأهلية في سوريا في عام 2011، دخل في هذا الصراع أطراف كثيرة ودول أبرزها روسيا، وإيران، والولايات المتحدة، وتركيا، وقطر، كلهم تدخلوا لأسباب سياسية/اقتصادية ومصالحهم الدولية.
بات من الواضح أن الموضوع يتعلق بنقل الغاز إلى أوروبا عبر سوريا من حقل غاز الشمال (أو حقل بارس الجنوبي)، وهو حقل غاز طبيعي يقع في الخليج العربي، وهو أكبر حقل غاز بالعالم، تتقاسمه كل من قطر وإيران، وتبلغ مساحة حقل غاز الشمال نحو 9,700 كيلومتر مربع منها 6,000 في مياه قطر الإقليمية و3,700 في المياه الإيرانية، ويحتوي الحقل على نحو 8 في المائة من الاحتياطات العالمية المؤكدة من الغاز الطبيعي.
قبل الحرب الأهلية، قدمت كل من قطر وإيران اقتراحين مختلفين، لكن الهدف منهما واحد، هو نقل الغاز إلى أوروبا عبر سوريا.
دفعت قطر بالاقتراح في عام 2009 وشملت بناء خط أنابيب من الخليج العربي عبر المملكة العربية السعودية والأردن وسوريا وتركيا، ولكن الرئيس السوري بشار الأسد رفض الاقتراح، يعتقد البعض أنه بسبب ضغوط من روسيا.
وكان الهدف منه أن يوفر غازاً أرخص إلى أوروبا بديلاً لخط الأنابيب الروسى، فتزود حالياً روسيا أوروبا بربع احتياجاتها من الغاز الذي يستخدم للتدفئة والطبخ والوقود وغيرها من الأنشطة.
في الواقع 80 في المائة من الغاز الذي تنتجه الشركة الروسية التي تسيطر عليها الدولة جازبروم تذهب إلى أوروبا، والحفاظ على هذه السوق مهم جداً للروس، للحفاظ على ثقلهم ونفوذهم السياسي في المنطقة.
إيران من الناحية الأخرى، قدمت اقتراحاً خاصاً بها لبناء خط أنابيب آخر تكلفته نحو 10 مليارات دولار يصل إلى أوروبا عبر العراق وسوريا، ومن ثم تحت البحر الأبيض المتوسط.
كان المقترح الإيراني على ما يبدو هو المفضل للروس، ربما بسبب التأثير والنفوذ الروسي على إيران، والتي على عكس قطر، لا تستضيف قاعدة جوية أميركية على أراضيها. وافق الأسد على الخطة الإيرانية في عام 2012، وكان من المقرر أن تنتهي من العمل في عام 2016 ولكن تم تأجيله في نهاية المطاف بسبب الربيع العربي والحرب الأهلية.
خسائر للمنطقة
الخسائر البشرية للمنطقة كبيرة ما بين قتلى ونازحين لدول أخرى، بلغ عدد النازحين السوريين إلى دول أخرى 11 مليوناً منذ اندلاع الحرب الأهلية في مارس/آذار 2011م.
عودة ظهور الإرهاب الدولي الذي يتمثل في داعش، التي أعلنت مسؤوليتها عن كثير من الجرائم ضد البشرية، ربما كان أبرزها هجمات باريس (نوفمبر/تشرين الثاني 2015).
كل هذا بسبب التدخلات في المنطقة، سواء كانت ذا طابع سياسي أو عسكرى مباشر، كل تلك التدخلات أدت إلى الإخلال بالتوازن الإقليمي السياسي بالمنطقة، وحتماً سيأخذ وقتاً طويلاً لإعادة هذا التوازن إذا أرادت ذلك القوى العابثة في الشرق الأوسط إعادة ذلك التوازن، وإذا لم ترد ذلك فسينفجر الوضع في أوجه العابثين، وحتماً سيصلهم نتائج ذلك الإخلال في صور كثيرة شاءوا أم أبوا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.