آفاق التحولات السياسية في ظل التقنيات الحديثة

من وثائق "ويكيليكس"، مروراً بالثورة المصرية، وانتشار "داعش"، وانتهاء بانقلاب تركيا، كان للتقنيات الحديثة دور بارز وغير متوقع في التحولات السياسية مؤخراً، ورغم ذلك فما تحمله التقنيات الحديثة على اختلافها في جعبتها لم يرَ أحد أثره الحقيقي بعد، وما زال كنزاً كامناً إن أدرك الفاعلون السياسيون ماهيته وآفاقه وأحسنوا -وحتى وإن أساءوا- استغلاله، فلربما أمام العالم نمط أسرع للتغيير خلال العقود القادمة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/19 الساعة 07:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/19 الساعة 07:15 بتوقيت غرينتش

من وثائق "ويكيليكس"، مروراً بالثورة المصرية، وانتشار "داعش"، وانتهاء بانقلاب تركيا، كان للتقنيات الحديثة دور بارز وغير متوقع في التحولات السياسية مؤخراً، ورغم ذلك فما تحمله التقنيات الحديثة على اختلافها في جعبتها لم يرَ أحد أثره الحقيقي بعد، وما زال كنزاً كامناً إن أدرك الفاعلون السياسيون ماهيته وآفاقه وأحسنوا -وحتى وإن أساءوا- استغلاله، فلربما أمام العالم نمط أسرع للتغيير خلال العقود القادمة.

وعلى تكرار تداولها فإن هذه النماذج البسيطة ومثيلاتها تلقي الضوء على أوائل أنماط التغيير التي تقدمها التقنيات الحديثة للسياسة في مسارات ثلاثة أساسية هي: رفع الوعي، وتغيير الأفكار، وصناعة التغيير الفعلي.

الوعي

رغم كون غياب الوعي دائماً حُجة الأجيال السياسية القديمة لعجزهم عن التغيير، فإنه لم يعد من الممكن التحجُّج به بعد اليوم، أو لنكُن أكثر دقة منذ 2006، فقد دخلت حينها مبادرات، أشهرها ويكيليكس عبر الإنترنت؛ لتؤدي الدور الأهم للصحافة، وهو محاسبة السلطات؛ لتكون بمثابة سلطة رابعة رقابية، فقد وضعت مبادرات كهذه الشعوب أمام واقع التحركات الدولية السياسية والعسكرية لسلطات بلادهم وجيوشها، وتركتهم أمام الحقيقة بخيارات مفتوحة.

وفرضت مبادرات كـ"ويكيليكس" بضغط من المجتمعات المدنية على الحكومات قدراً أوسع من الشفافية أمام اتخاذ القرارات، إضافة إلى بعض الروّية أثناء اتخاذ مواقفها الدولية. على الأقل، وضعت مبادرات كـ"ويكيليكس" الحكومات أمام أعين الشعب الحاضر، والمستقبلي، والتاريخ للمحاسبة على حقائق لم يكن للشعوب ولا التاريخ إمكانية الاطلاع عليها مسبقاً.

تغيير الأفكار

وفي ذات السياق، كانت تجارب كـ"داعش" وانتشارها ومساعي إسرائيل لتطبيع فكري (إسرائيلي – عربي) تظهر كيفية استغلال الوسائط التكنولوجية الحديثة في تغيير الأفكار ونشرها، فإسرائيل التي لم تكن تخرج مظاهرة في العالم العربي إلا وتهتف "بنرددها جيل ورا جيل.. بنعاديكِ يا إسرائيل" أصبحت ضيفاً معتاداً على صفحات التواصل الاجتماعي ونوافذه للشباب العربي، فبداية من صفحة إسرائيل تتحدث العربية، مروراً بصفحة المتحدث باسم جيش الدفاع، وانتهاء بعشرات النوافذ الأخرى التي تستهدف فئات بعينها؛ نجحت إسرائيل بداية بالدعاية السلبية.

ثم بكسب احترام جودة العمل والاجتهاد في الوصول لكثير من الشباب العربي الذي ما كانت لتصل إليه يوماً لو لم تبدأ هذا المسعى، والآن، بات الكثير من الشباب العربي يظهر احتراماً لمن كان عدوه الأول، وبات البعض يبدي اعترافاً بمدى قوته مقارنة بمجابهه، والأكثر أن أصواتاً من الشباب العربي باتت تسأل: "ماذا لو" حول كل الجدليات التي لم تحسم في العقود السبعة الماضية؛ لأن الصراع حولها كان صفرياً.

وعلى الجانب الآخر كانت داعش التي لم يكن أحد يسمع عنها قبل عامين، تلعب على نقائص الشعوب، ولا تحصر فئة واحدة مستهدفة، بل تخاطب نقائص الجميع… فهذا شعب شبابه لاهٍ لا يعرف الهدف من حياته، فتخاطبه داعش بهدف يمكنه الحياة والموت لأجله، وهذا شعب مهزوم، فلتغريه بالقوة والهيمنة، وهذه امرأة تشعر أنها سلعة وأخرى تشعر أنها أسيرة لمجتمعها، فلتحدثهن عن كرامة النساء ودورهن في مجتمع داعش..

فينضم لداعش مراهقون من كافة المجتمعات من شعوب أوروبا والدول الإسكندنافية إلى الشعوب العربية والدول ذات الأغلبية المسلمة على اختلافها، يسافرون هرباً من مجتمعاتهم إلى سوريا والعراق، أو يبقون في انتظار التعليمات كحقول ألغام في بلدانهم. ورغم أن بعض الوعي كفيل بدحض رسائل داعش في مهدها؛ فإن انتشارها واستغلالها كل الوسائط يسبق بكثير من يحاول هدمها أو مقاومتها.

صناعة التغيير الفعلي

أخيراً، فقد برز دور التقنيات الحديثة في كل من الثورة المصرية في 2011، وفشل انقلاب تركيا مؤخراً، ففي بداية الثورة المصرية كانت حادثة خالد سعيد، التي هي حادثة مكررة في مصر قبل الثورة وبعدها أيضاً، اختلفت عن مثيلاتها بحجم اهتمام الشباب بها…

فهذه النهاية كان يمكن أن تكون نهاية أي منهم، كما أن هذه النهاية كانت قرب مقهى للإنترنت.. ومن ثم أدارت الصفحات التي اهتمت بتلك الحادثة حراكاً مستمراً على الأرض في مختلف المحافظات، حراكاً استمر بتأثير كرة الثلج يكسب وزناً ويزيد حجماً كلما استمر حتى انفجرت ثورة تونس فتساءلوا لِم لا؟! وبعد الحشد ليوم الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني ذهب الشباب للحشد ليوم 28، الذي شهد قطعاً كاملاً للإنترنت والاتصالات…

إلا أن الشباب الصغير لم يكترث لذلك، واستخدم الهواتف الأرضية في نقل صوته وتقديم التغطية الحية والتوثيق لما تم في ذلك اليوم من مجازر، ورغم علمهم باحتمالية عدم وصول الصور والفيديو فإنهم لم يتوانوا عن استخدامها وإبقائها، ما استخدم لاحقاً كأدلة على إجرام ومذابح "جمعة الغضب"، وباجتهاد الشباب في استخدام كل ما أتيح من تقنية لرفع الواقع، استطاعوا في النهاية إخراج مبارك من المشهد، وبدء مرحلة جديدة من تاريخ الدولة عقب ثلاثين عاماً من الحكم.

أما تركيا فكانت تنتظر مصيراً كانت قد قاربت الاعتياد عليه من آثار الانقلابات، إلا أن خرقاً للمعتاد من البروتوكولات وفكرة خارج الصندوق واستغلالاً لكل الموارد حال دون ذلك. فمكالمة هاتفية واحدة عبر تقنية FACETIME أثبتت حياة أردوغان، وأن الشعب يمكنه تغيير المعادلة لصالح مكتسباته الديمقراطية التي حتى وإن أتت بمن لا يحبذ فهو لن يتحمل خسارتها، وبالفعل.. تغيَّرت المعادلة.

الخلاصة

التقنيات الحديثة كنز لا يفنى، واستثماراته لا تُعدّ ولا تحصى، ولم تعد تفيد الشكوى من انعدام الوعي أو صعوبة التغيير، فخطوة واحدة قد تحدث فرقاً، وعلى كونها كنزاً فهي سلاح فتاك في يد مَن أحسن استثماره، وسلاح مدمر لمن أهمله، ويبدو أنه من الواقعي القول إن مَن يملك زمام استثمار التقنية سيكون له دور كبير في تشكيل شكل عالم المستقبل.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد