على غرار أغنية ضربني وبكى وسبقني واشتكى للمغني خالد عجاج، جاءت مبادرة واشنطن، فبصراحة هول الصدمة كان كبيراً علينا كسياسيين مشردين منذ الانقلاب العسكري في الثلاثين من يونيو/حزيران 2013، ولا أجد وصفاً لما حدث في مبادرة واشنطن إلا مثل أم قالت لابنها أن يذهب ليحضر ليمون لاستخدامه في الطبخ فذهب وأحضر لها كوسة وقرع..
منذ الانقلاب والخلاف الحقيقي بين القوى السياسية المناهضة والعائدة من الانقلاب على الشرعية هو عودة الدكتور مرسي من عدمه وهو بشهادة الجميع اختلاف لا محل له الآن في ظل حالة القمع والتنكيل التي طالت الجميع، لدرجة أن الجميع في السجون، والإخوان هم الأعلى صوتاً إلى الآن خارج مصر وداخلها.
وسوف أوضح هنا لماذا جاءت الوثيقة أوالمبادرة فجة ومستفزة للجميع بهذه الطريقة:
أولاً: لأن المجتمعين عليها حاولوا تلخيص مبادرة الجمعية الوطنية للشعب المصري ذات الواحد وستين صفحة في ورقة واحدة، فكان العوار واضحاً والصدمة كبيرة كما رأينا.
ثانيا: حرص من وراء المبادرة إلى توسيع هوة الخلاف حتى يتناسى الجميع الخلاف الرئيسي وهو عودة الرئيس مرسي من عدمه، وهي طريقه علمية أكاديمية معروفة، فكلما سلبت الشخص أحلامه المشروعة وأخدت ما هو أكثر منه، فيعود أدراجه حبيس أولوياته، فيقول على غرار الشاعر غسان كنفاني خدوا مرسي بس سيبولي الهوية.
ثالثاً: المجتمعون في واشنطن باستثناء دكتور أحمد عبدالباسط ودكتور عبدالموجود درديري، كانوا جزءاً من الحشد لمظاهرات الثلاثين من يونيو 2013، ولذا لم نأمل من هذا الاجتماع شيئاً أكثر من الإصرار على التنازل عن الرئيس محمد مرسي، ولكن وجدناهم يشطحون إلى ما هو أبعد، والقاعدة تقول إن من يدير الحوار ومن دعا له هو من يفرض أجندة الاجتماع، ولولا السماح منذ البداية لتوسيع هوة الخلاف لما تطرق الاجتماع إلى توسيع الفجوة بين الفرقاء.
رابعاً: التطرق لهوية الدولة لم يجرؤ عليها عبدالفتاح السيسي نفسه حينما عدل الدستور في 2014، ورغم أنه فعلياً يحارب الإسلاميين، إلا أنه لم يجرؤ على كتابتها بل محمود بدر وإلهام شاهين وخالد يوسف لم يتطرقوا إلى ذلك، بل إن دستور 2012 الشرعي أيضاً حسم تلك المسألة، فمن اجتمع في واشنطن ماذا يحمل من أيدولوجيات بخلاف كل من ذكرت هنا؟
خامساً: إن الإرهاب الفكري الذي وصم به المعارضون للوثيقة هو نفسه إرهاب فكري مضاد، فهل يجوز أن من يتبول على حائط حينما تنهره وتنهاه على هذا التصرف أن يتهمك أنك اقتحمت خصوصيته، الحقيقة أنني مؤمن بما قاله الشيخ الشعرواي -رحمه الله- "وطن بلا دين لا يشرفنا العيش فيه"، وستظل مصر هويتها إسلامية ما دامت تركيبتها السكانية على حالها.
سادساً: إن كل من تنصل من هذه الوثيقة يجب رفع القبعة له وعدم سن السكاكين له، فالعودة للحق خير من التماهي في الباطل والصف الثوري لا يتحمل أن نخسر المزيد من المحاربين القدامى.
ويجب قبل أن أختم مقالي أن أذكر وقائع للتاريخ، حينما وضعنا دستور 2012 الذى شرفت بأن أكون عضواً بجمعية توثيقه وتطرقنا إلى مادة حرية ممارسة العقيدة وحرية الاعتقاد، كان هناك إجماع تاريخي من ممثلي الكنائس الأربع، وعلى رأسهم الأنبا بولا، وممثل الأزهر الشيخ نصر فريد واصل والسلفيين والإخوان داخل الجمعية، على أن يجب ربط حرية العقيدة بالأديان الثلاثة وكانت المادة الأسهل في حسمها ولم يستطع علمانيو الجمعية الصمود أمام هذا الإجماع.
أما أن تنص تلك المبادرة على حرية الإعتقاد دون تحديد ممارسة العقيدة وحصرها على الأديان الثلاثة فهو انجراف بالبوصلة المصرية وعدم احترام لمكونات المجتمع المصري، ومع اعترافي بحرية الاعتقاد، إلا أن هذه الحرية يجب أن تكون في حيز الشخص نفسه في بيته ما دام تجاوز الأديان الثلاثة، فمن يعبد شخصاً ومن يعتقد في أي شخص أنه إله دون الله الذي أقرته الأديان الثلاثة يجب ألا يخرج إلى حيز العلن، فحرية ممارسة العقيدة لمن هم غير أهل الكتاب ستجعل على الدولة مسؤولية بناء معابد وحسينيات وغيرها من العقائد الأخرى.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.