ويسألونك عن الشباب في مصر.. قل: هم أذى

يا رب.. امنحني قلباً صلداً ومزاجاً بليداً، ولو لساعات محدودة، لعلي أستطيع أن أغفو ولو للحظات، أو أستجم قليلاً، هناك، على ناصية الحلم المهشم، مع آلاف الحالمين والمكلومين والجوعى، في انتظار "ما قد يجيء".

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/16 الساعة 07:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/16 الساعة 07:41 بتوقيت غرينتش

يا رب.. امنحني قلباً صلداً ومزاجاً بليداً، ولو لساعات محدودة، لعلي أستطيع أن أغفو ولو للحظات، أو أستجم قليلاً، هناك، على ناصية الحلم المهشم، مع آلاف الحالمين والمكلومين والجوعى، في انتظار "ما قد يجيء".

في عام 2009 وفي ذروة نشاط الحزب الوطني، ومع بدء اتخاذ الخطوات الفعلية لخطة التوريث التي رفعت مصطلح الشباب شعاراً لحملات تلميع "الابن الضال"، كان هناك اجتماع لإحدى أمانات الحزب بالقاهرة، وخلال الجلسة عرض "عضو متحمس" أفكاراً، قام بها أحد الشباب "المغمورين"، لتطوير العمل، وحينما رأى عدم اكتراث بما قدمه، حاول أن يستثير انتباه الحاضرين، واصفاً هذا الشاب بأنه "جوهرة مدفونة"، حينها نظر إليه أحد مسؤولي الحزب باستنكار شديد قائلاً: "طاب ما تخليها مدفونة.. بتنبش وراها ليه؟"، ضج الجميع بالضحك، ابتسم الرجل في يأس، مدركاً تماماً أنَّ جملة المسؤول الحزبي لم تكن أبداً مجرد "مزحة".

كان الأول على دفعته، ورغم ذلك لم ينَل شرف التعيين في هيئة قضائية، رافقته حينما ذهب ليتظلم في إحدى الهيئات الأربع، وأذكر ساعتها أنه صعد إلى مكتب رئيس الهيئة، وحينما عرف مدير المكتب مشكلته، رفض إدخاله وقالها بشكل صريح: "محدش ينفع يدخل المكان ده أو يبقى قاضي غير أولاد القضاة والمستشارين، ومن الآخر كده.. هي عزبة.. وما تتعبش نفسك"، انتهى النقاش بين الاثنين بطرد صديقي الموهوب، الذي لعن ساعتها تفوقه وتميزه وطموحه الكاذب.

ليتك تدرك أن الموهبة ستصبح نشازاً في نشيد صباح الدببة، لن تتناسق مع سيمفونية الفشل الأزلي، ونباح كلاب السلطة وقباع خنازيرها على شاشات الفضائيات "فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء"، إنما يؤخرهم الله بلاء مستحقاً، سينتهي عما قريب، أما أنت فلن تتحمل تبعات طقوسهم وإذلالهم لضمائرهم.. أنت يا عزيزي "إنسان"، تلك هي المأساة.

قال لي: بدلاً من تحسُّرك على حفنة من القمح أو شربة من الماء النظيف، احمد الله، أننا لم نصل لمصير سوريا والعراق، حمدت الله وكبّرته، وحوقلت ثلاثاً، خشية الحسد، لكني في الوقت نفسه، شعرت بوخزة "شيطانية" بأن البلاد كان من الممكن أن تنافس الآن كوريا الجنوبية أو سنغافورة أو ماليزيا، أو غيرها من الدول كانت مصر تتفوق عليها ربما عشرات المرات، استعذت بالله ثم قبَّلت صورة الزعيم الأول والزعيم الأخير، وصليت ركعتَي توبة، خشية أن أكون من "الخائنين".

تحيرك مشكلة الدولة مع الشباب، ربما يكون استنتاجك غير دقيق؛ لأن الدولة إنما تعادي الموهبة والكفاءة، وهما صفتان لا تتوافران إلا في الشباب، "تلك هي القضية".

إنها شجرة نبتت في أصل معسكرات التدريب وعلى الجبهات وفي صحاري مصر، واستأثرت بنصف مياه النيل، وحقول البترول والغاز الطبيعي والأراضي الممتدة شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، فإما الرضا، وإلا فعليك لعنة "الشرفاء" في الشوارع والشيوخ في المساجد والرهبان في الكنائس والقوادين على شاشات الفضائيات والموظفين في مكاتبهم والأطفال في نشيد الصباح وأثناء تحية العلم، بل وفي حجرتك الضيقة المظلمة التي تقبع الآن بداخلها في انتظار وجبتك القادمة، مع جندي، سيلقيها عليك من نافذة الباب الصلد والمغلق جيداً.

و"يسألونك عن الشباب في مصر، قل: هم أذىً فاعتزلوا الشباب واعزلوهم"، لا تسمحوا بنقل عدواهم للمواطنين الشرفاء، احتجزوهم في سجون ومعتقلات "صحية" لغسل أدمغتهم وهيكلتهم من جديد، فإما أن يعودوا "مواطنين شرفاء" أو أن تلقوا جثثهم على قارعة الطريق، وإن كان ولا بد، فاختاروا من الشباب أقلهم كفاءة وأكثرهم دناءة وتهافتاً على مصالحه الشخصية، في سبيل الشهرة والثروة والمنصب، ببغاوات لا تفقه ولا تعي، تصدق بريق بشرتها على الشاشات، وكلمات المديح من خنازير السلطان، توزع التهم المعلبة والجاهزة في المصانع الرسمية على مَن شاءت، وتقيس الوطنية بمدى المداهنة والنفاق.

لم يكن "محجوب عبد الدايم" بهذه الوقاحة، التي يظهر عليها البعض اليوم، كان حينما تحتدم هواجسه يستسلم لدخان سجائره، ربما للتشويش على أي فكرة أو وخزة عابرة من ضميره "المتجمد".

أغلب الظن أن دخان السجائر، في انحطاط الألفية الثالثة، ليس كافياً، للتشويش على أي لحظة يقظة إنسانية مفاجئة، ويقال إن أغلب "الوارثين" يتعاطون "الحشيش" و"البانجو"، حيلة أزلية للهروب من حدة الواقع ووخزات الضمير، إنه التطور الطبيعي للانحطاط، من سجائر محجوب عبد الدايم إلى "بانجو" المواطنين الشرفاء.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد