هل صبّحتم على مصر برضعة؟!

حالة السخط التي وصل لها الشعب المصري من تسلط العسكر على كلّ شيء في أموره الحياتية، ومعاودة التفكير من قبل شريحة كبيرة من الذين نادوا بالأمن والأمان في حضن العسكر، تجعل العسكر يتأكد أن مواجهته للشعب الغاضب في مرحلة من المراحل أمر حتمي لا مفرّ منه.

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/15 الساعة 06:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/15 الساعة 06:23 بتوقيت غرينتش

لا أدري لماذا يُشعرنا العسكر دائماً بأننا قد استلفنا منه مالاً في قديم الزمان، وهو الآن يسترده بالقوة والدبابة، وبإذلال أطفالنا لقوت يومهم وهو الحليب.

ولا أدري كيف ظنّ البعض في لحظة أن هذه الحركة هي للتربح المطلق، أو لزيادة استثمار العسكر، أو لتقليل عجز الموازنة الداخلي، أو حتّى لزيادة مرتبات العسكر والقضاة.

لم يخطر على بالي أي من هذه الأطروحات، وإنما أيقنت أن احتكار هذه السلعة خاصة، ثم عرضها على البسطاء من الشعب المصري، بسعر أقل ثمناً مما يعرضه البقية الآن، إنّما هو لكسب ود الشعب المصري، وللتقرب منهم بأنّه يوفر الدعم لأطفالهم وفلذات أكبادهم.

حالة السخط التي وصل لها الشعب المصري من تسلط العسكر على كلّ شيء في أموره الحياتية، ومعاودة التفكير من قبل شريحة كبيرة من الذين نادوا بالأمن والأمان في حضن العسكر، تجعل العسكر يتأكد أن مواجهته للشعب الغاضب في مرحلة من المراحل أمر حتمي لا مفرّ منه.

ولهذا قرر العسكر بناء جسر جديد مع البسطاء مرّة أخرى، الذين لم يعتنوا بأمور السياسة والساسة، وما كان من همومهم مصالح الوطن وإعلاء شأنه هنا أو هناك، فهو أمر لا يُجيدونه فعلياً.

وإنما هم يعرفون من يُعطيهم ويوفر لهم ما يحتاجون إليه صراحة في أيامهم ولأبنائهم، من طعامهم وشرابهم ومن بعض الأمن المزيّف الذي يقول به العسكر.

هكذا كانت إدارة العسكر لأمر هام تداولناه جميعاً من باب السخرية والنكتة فقط، دون النظر في مآلات هذا الأمر على معظم أفراد الشعب البسيط الذي لا يفطن لدهاء العسكر وكيفية تفكيره.

وهو ما يدفعنا أيضاً للنظر وإعادة التفكير في هذه المواجهات الجديدة التي اتخذها العسكر أخيراً للتربّح كما صرّح البعض، أو لكسب ود الشعب المصري البسيط كما أزعم أنا.

عن قلّة حيلة العسكر في هذه المرحلة من مراحل الثورة، وعن سخط الشعب وحدّته على النظام القائم، يجب أن تكون لدى القوى السياسية أطروحة لا تُغنّي على وتر أن العسكر يستحوذ على كل شيء، وأنه يُرضع أطفال مصر من فرقة المرضعات أو سلاح "البزَّازات" فقط.

إنّما من كمال مواجهة هذا النظام بحيلة البائسة، ومن تمام الثقة بأن الشعب البسيط سوف يتفهم ما يُطرح عليه إذا التمس الصدق وعايشه واقعاً ملموساً لا كلاماً خبرياً، أن يُفكّر كُلّ من اهتم بأمر العامة والوطن بمردود الفعل ومآلات الأمر في المستقبل.

بمردود الأمر ومآلات الأمر على الشارع المصري، على المواطن البسيط والأسرة التي لا تكاد تجد قوت يومها لكنها لا تستنكف أن تستلف مالاً لتشتري حليباً لرضيعها الذي يصيح ليل نهار.

فإنّ العسكر عندما افتتح منافذ لبيع اللحوم والدواجن بسعر أرخص من سعر السوق والمحال التجارية، هتف بسطاء الشعب بالجيش شاكرين له أنعمه وفضائله، وبأنّه وفّر لهم طعامهم وغذاءهم بسعر أرخص من جشع الباعة والتجّار.

وهكذا عند إتاحته لعبوات حليب الأطفال في الشارع المصري، بعد أن رأينا نساء مصر يخرجن للشارع يهتفن "عايزين لبن لعيالنا"، فبعد الأزمة الشديدة أصبحن يُنادين شُكراً للجيش وفّر العلبة وبنصف ثمن السوق السوداء.

وأصبحت هذه الحركة سبباً لأن يُصرّح المصري البسيط بشكره للجيش الذي يحمي عيالنا، ويحافظ علينا من جشع التجّار، وهو نفسه الذي سخط من ارتفاع فواتير الكهرباء والماء منذ أسبوع، وأصبح لا يطيق فرض القيمة المضافة عليه بعد اعتمادها في البرلمان.

مثلما كان من الجيش بأن أسند وزارة التموين إلى لواء جيش، يفعل بوزارة الغلابة ما شاء وكيف شاء، يسرق وينهب، ويحتكر ويمنع، ثم يُنزل البضاعة بعد أن تشحّ من السوق بضعف ثمنها، فيتنادى الناس هذا جيش بلادنا، هذا عسكر وطننا، وهو يسرق منهم رغيف الخبز كاملاً ليعطيهم قطعة، ويأخذ منهم الدولة كاملة، ليُعطيهم الوهم.

هكذا كسب الجيش عطف المواطن البسيط، الذي ثار عليه في جولات، وانتفض في جولات أخرى، ليس من أجل شيء سوى من أجل لقمة العيش التي أصبح الجيش ينازعه فيها، وأصبحت قوى العسكر تطرحه أرضاً لتستأثر هي بالنصيب الأوفر من قوته البسيط، ليموت من أجل مصر، ولتحيا مصر بعسكرها وقضاتها.

وما بقي إلا أن نقول للعسكر: لقد صبّح الشعب على مصر بجنيه؟ فهل صبّحتم على مصر برضعة؟!

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد