سقطت ليبيا يوم سقطت مصر

فالمسألة الليبية عموماً ستظل غارقة في وحل الفوضى إلى أن يرفع نظام الجنرال المصري يده عن ليبيا، إما بتسوية دويلة إقليمية، أو ثورة شعبية مصرية تقتلع جذور نظامه، وإن كان هذا متعذراً حسب قانون الثورات التاريخي.

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/14 الساعة 07:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/14 الساعة 07:29 بتوقيت غرينتش

ضحكنا صبيحة الرابع عشر من فبراير/شباط 2014 من إعلان اللواء المتقاعد خليفة حفتر على شاشاة قناة "العربية" تجميد عمل المؤتمر الوطني والحكومة والإعلان الدستوري، وظننا أنها خيالات عجوز تجاوز حاجز السبعين عاماً، وأن ليبيا التي قتلت القذافي لن تسقط ثانية في يد العسكر.

إلا أن ضحكنا هذا لم يستمر طويلاً، ففي السادس عشر من مايو/أيار تحركت ميليشيات مسلحة من مدينة المرج بقيادة حفتر، إلى مدينة بنغازي معلنة أنه ستتصدى للجماعات المتشددة الإسلامية في بنغازي، بعض هذه الميليشيات ينتسب للجيش السابق أيام عهد القذافي، وغالبيتها من المتطوعين من شتى قبائل ونسيج الشرق الليبي. صحيح أننا توقعنا فشل هذه المحاولة وأبنا عن نواجذنا في محاولة لتطمئنة أنفسنا.

ولم يكن يظن كثيرون منا أن تمتد تداعيات انقلاب الثالث من يوليو/تموز الذي قاده الجنرال السيسي ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي إلى ليبيا، وأن يحاول حفتر تكرار تجربة السيسي في بلد قال عنه المبعوث الأممي مارتن كوبلر، إن شعبه الذي لا يتجاوز 6 ملايين نسمة يملك أكثر من 25 مليون قطعة سلاح، ما بين خفيف ومتوسط وثقيل.

فتسريبات مكتب وزير الدفاع السابق والرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، والقصف الإماراتي المصري في أغسطس/آب 2014 على مواقع تابعة لعملية فجر ليبيا، التي قضت بشكل مؤقت على النفوذ المؤقت لمصر والإمارات من خلال كتائب القعقاع والصواعق التابعة لحزب تحالف القوى الوطنية بقيادة محمود جبريل. كلها أضحت دلالات على عمق النفوذ المصري الإماراتي في ليبيا، وفي شرقها خاصة من خلال عملية الكرامة التي أطلقها الجنرال المتقاعد خليفة حفتر بدعمهما.

ما كان في الإمكان لنظام السيسي أن يسمح لليبيا بأن تخرج من تيهها الذي عاشته أكثر من 40 عاماً، وأن تنضج تجربتها الخاصة في السياسة والحكم، وأن تخرج من عثرتها على مهل، ما كان ليسمح. وكذلك الدول دول الضرار العربي التي ساءها أن تبصر بعض شعوب المنطقة طريق الحرية وتتذوق ولو على مضض طعم صناعة القرار.

التغاضي الغربي والأميركي عن انقلاب حفتر بدعوى محاربته للإرهاب، يأتي إما أنها ندمت من الأساس على إسقاط القذافي، والذي وإن كان مجنوناً إلا أنه يمكن توقعه بسهولة، وما تسليمه لمشروع نووي أخرق بعد احتلال العراق، إلا أن الرجل فهم رسالة بوش الابن. وإما لأن الأميركان والأوروبيين ليس من مصلحتهم معارضة دول الضرار العربي التي أصرت على إسقاط الربيع العربي، الذي في نهاية المطاف سيصبّ في مصلحة الحليف الاستراتيجي في المنطقة، وهو إسرائيل، التي قال عنها الصحفي البريطاني ديفيد هيرست في مقال على موقع "ميدل إيست آي": "في يوم من الأيام كانت الولايات المتحدة الأميركية وحدها تقف حامية لظهر إسرائيل، أما اليوم فهناك 4 دول عربية – هي الأردن ومصر والإمارات والسعودية – تقوم بهذا الدور".

استطاعت مصر بدعم خليجي وبغض طرف غربي أن تجعل من جنرال متقاعد طرفاً صعباً في المعادلة السياسية الليبية، وأن تصنع منه رافض اتفاق السلام الليبي الموقع في الصخيرات المغربية منتصف ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي.

يفاوض الأوروبيون والأميركيون السيسي مباشرة في المسألة الليبية ضاربين عرض الحائط بوكلائه المحليين كحفتر ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس أركان حفتر عبدالرازق الناظوري، وغيرهم من نواب البرلمان.

يسعى السيسي أولاً إلى تمكين حفتر في منصب عسكري رفيع في ليبيا يضمن به امتداد نفوذه، وإلى أن يكون مقر الحكومة الليبية القادمة في شرق البلاد ليسهل عليه من خلال وكيله السيطرة عليها. علّها – أي ليبيا – أن تحل بعض من أزماته المتتالية اقتصادياً.

فالمسألة الليبية عموماً ستظل غارقة في وحل الفوضى إلى أن يرفع نظام الجنرال المصري يده عن ليبيا، إما بتسوية دويلة إقليمية، أو ثورة شعبية مصرية تقتلع جذور نظامه، وإن كان هذا متعذراً حسب قانون الثورات التاريخي.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد