تتناغم القوانين الغربية اليوم في مجال إتاحة سقف مرتفع من الحرية للعمل الإعلامي والعاملين في مجال المؤسسات الإعلامية على اختلاف مجالات اهتمامها، وهذا الاهتمام لم يكن اعتباطاً، ولكنه بالفعل حصاد تراكمي لما تم من ضغوط على السلطات الحاكمة من مرحلة الثورة الصناعية، وصولاً إلى يومنا هذا.
في عالمنا العربي، تجد الكثير من المؤسسات الإعلامية، والاتحادات والنقابات والجمعيات الخدمية للعاملين في مجال الصحافة والإعلام، كلها تمثل الهوية الفاعلة للعمل الإعلامي في هذا البلد أو ذلك، ولكن السؤال الحقيقي المطروح هنا: هل قدمت هذه المؤسسات والنقابات والمسميات المتعددة خدمات حقيقية للعمل الإعلامي؟ وهل فعلاً استطاعت رفع سقف الحرية الإعلامية في بيئتها?
كثيراً ما أحضر برامج الإعلام التي تهتم بحرية الإعلام والتعبير، وأستمع باهتمام بالغ للشعارات الرنانة التي يستخدمها المنظرون لحرية الصحافة والداعون لكون الصحافة سلطة رقابية ضاغطة في مكانتها الرابعة في الدول، وصولاً بها نحو وصفها العالمي "صاحبة الجلالة".
هنا، للمقارنة بين البيئة العربية والغربية جدوى، فالمقارنة المنهجية العقلانية بين واقع الإعلام في العالم العربي ونظيره في العالم الغربي تقودنا لاستخلاص الكثير من العبر والدروس، ليس في مجال الشعار والمسمى فحسب، بل في واقع التطبيق والممارسة.
وحتى لا تتصدع الرؤوس من تعداد المحاور الخلافية بين المقارنتين، وجدت من المفيد هنا أن أشير إلى المرتكزات الأساسية لهذا الاختلاف، التي تتمثل في موضوع الهيمنة المطلقة للسلطة الحاكمة وأجهزتها الاستخبارية والعسكرية على المشهد، وهو الأمر الذي يؤدي لإغلاق الطريق تماماً أمام أي شخص لا ترغب به السلطات ليكون إعلامياً، فضلاً عن وصوله للمناصب المتقدمة في النقابات والاتحادات الإعلامية التي أنشئت لتتساوق مع الغرب في الطرح ولتزوير الواقع أمام المتابعين الغربيين.
فحينما يمنع الشخص من دراسة الإعلام بحجج أمنية، ويمنع الراغب بدراسة الإعلام من التدريب العملي لظروف سياسية، ويمنع من دخول الاتحادات الصورية للإعلاميين والصحفيين لكونها رهينة بقرارات استخبارات الدولة ومخابراتها والمتنفذين في الحكومة فيها، وحينما لا تراعى ظروفه واحتياجاته ومتطلبات عمله الخاص، ولا يتم النظر في مظالمه، ولا ينتصر له أحد، ولا يسمح له بالإدلاء برأيه في الإعلام، وتحظر أنشطته، وتراقب حساباته الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، فعن أي حرية نتحدث ? وعن أي إعلام نثرثر?
عندما تحدث هيغل عن المجتمع المدني، وتلاه ماركس في فضاء التعاطي مع جسم وسيط يحمي الفرد ضد تغول الدولة، ومن بعدها استقرت نظريات المؤسسات الأهلية كمصطلح، كان كل المنظرين يتحدثون عما تعيشه الصحافة في البلاد الغربية اليوم، احترام الإعلاميين، ومنحهم المكانة، وفتح المجالات أمامهم للتقارير والاستقصاء والبحث والبرامج المجتمعية، وليس كما هو الحال في عالمنا العربي؛ حيث نقص الكفاءة وشيوع الواسطة، وحصار الفكر، واعتقال الإبداع ومحاصرة الجديد، والخوف من التكنولوجيا العصرية، والتعامل الرقابي مع وسائل التواصل الاجتماعي، وإغلاق النقابات أو توجيهها نحو أزلام النظام ورجالاته، وبالتالي نجد أنفسنا أمام دولة ديكتاتورية بالمطلق، ومجتمع مدني مرتهن بأجهزة الدولة، وقوانين كثيرة لا تقوى على مواجهة ذي مصلحة في السلطة.
أرى فعلياً من الأهمية بمكان أن يتم التركيز اليوم على الحفاظ على المؤسسات القائمة، والاتحادات الموجودة، والبدء بالانتفاض الشامل على كل الإدارات الروتينية المفرغة من مضامينها العاملة فيها، وفتح الباب أمام ثورة إعلامية تهز الواقع فعلاً؛ لنصل إلى حرية الصحافة كمفهوم وممارسة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.