"للأسف لا يمكن التخلص من الأوغاد عن طريق الانتخابات، لأننا لم ننتخبهم أصلاً".. (نعوم تشومسكي)
يتجه المغرب في الأسابيع القليلة المقبلة إلى تنظيم انتخابات تشريعية، تعتبر ثالث عملية انتخابية بعد الإصلاحات الدستورية التي شهدتها البلاد أوسط 2011. الإصلاحات التي جاءت كتتويج للحراك الديمقراطي الذي عرفه الإقليم جملة. قدر معتبر من المراقبين يرون أن أهمية الانتخابات المنتظرة تتمثل في أنها استئناف لتحقيق المسار الديمقراطي الذي بدأ مع الائتلاف الحكومي الذي يقوده حزب العدالة والتنمية الإسلامي في مرحلة ما بعد الربيع الديمقراطي.
تجدر الإشارة إلى أن هذه التجربة الحكومية قد دخلت بشروط دستورية أفضل من سابقاتها من الحكومات التي تعاقبت على البلاد، في المقابل يجب أن نستحضر عاملان مهمان في هذا السياق:
الأول مرتبط بمرحلة ما قبل 2011، كون جل العمليات الانتخابية لم تكن حاسمة في رسم المشهد الحزبي والسياسي فقد كانت تفتقر إلى الشفافية والنزاهة الكافيتين لأسباب يعلمها الجميع، تتعلق بالسلوك المطرد للنظام السياسي المغربي في الحفاظ على التوازنات داخل مكونات المشهد الحزبي. فقد خولته ممارسته التاريخية الطويلة تطوير أساليبه للحفاظ على موقعه كفاعل متحكم في مسارات اللعبة السياسية، فبالرغم من أنه نظام تقليدي فإنه يعمل بأدوات حديثة، يتحكم في السياسة والاقتصاد ويحتكر الجهاز العسكري والمشروعية الدينية.
العامل الثاني مرتبط بالانتظارات الكبيرة من هذه الحكومة من طرف شرائح واسعة من المجتمع المغربي، الأمر الذي شكل ضغطاً متواصلاً على أداء الحكومة، ضغطاً رفعت وتيرته طبيعة المعارضة السياسية التي أخذت طابعاً أيديولوجياً أكثر منها معارضة للسياسات العمومية.
بالعودة إلى الانتخابات المنتظرة فهناك سيناريوهان محتملان لنتائج انتخابات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، الأول: فوز حزب العدالة والتنمية، وتشكيل حكومة ائتلافية، أما الثاني فهو اكتساح الأصالة والمعاصرة -المعروف بقربه من القصر- لأغلبية المقاعد، وتشكيله حكومة يشاركه فيها أحد الأحزاب الإدارية.
ولا يهمنا هنا أي من الافتراضين سيتحقق، بقدر ما نسعى إلى التأكيد على مسألة نعتبرها مهمة في هذا السياق، تتمثل في أن تصدر العدالة والتنمية للانتخابات المقبلة من عدمه ليس مؤشراً على حتمية تحقيق البلاد للانتقال الديمقراطي، كما أن حصول العكس واكتساح الحزب المقرب من القصر علامة على الانتكاسة الديمقراطية، وإن كان نسبياً صحيحاً، ولكننا ننزع إلى أن حصر المعركة بين قطبين سياسيين يبدو غير موفق في تقديرنا الخاص، بحكم طبيعة النظام السياسي الذي لن يسمح لأي فاعل إلا بهامش ضيق للتحرك.
مشكلة الانتخابات في المغرب تتلخص في كلمة قالها المفكر العربي عزمي بشارة إبان اندلاع الثورات الديمقراطية قبل حوالي خمس سنوات وتتلخص في أننا في الوطن العربي نتساءل دائماً: فيمَن سيحكم؟ في حين وجب أن نتساءل كيف سيحكم؟ هناك حقيقة يدركها الجميع، وهي أن هناك أشخاصاً وهيئات فوق القانون، لا يمكن محاسبتهم أو متابعتهم قضائياً، لهم توصيفات عديدة داخل الحقل السياسي المغربي من قبيل "الدولة العميقة"، "التحكم" أو "البؤس" وكلها توصيفات لممارسات غير ديمقراطية تحكمها شبكة علاقات ومصالح لأشخاص أو مؤسسات، تسعى للإبقاء على ثقافة الفساد ومنظومته سياسياً واقتصادياً.
هنا وجب أن يفتح النقاش العمومي، وأن تحظى قضية الديمقراطية بأولوية قصوى، وإلا فما العائد من تعاقب الحكومات لو بقيت الممارسات غير الديمقراطية وثقافة الفساد الرثة تتحكم في أغلب مناحي الحياة اليومية، مع الاعتراف بأن الأحزاب ليست كلها ديمقراطية بنفس الدرجة، وليست كلها مولودة من رحم المجتمع.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.